
الحمد لله، الحمد لله الذي حث عباده على الإعتصام بالكتاب والسنّة، أحمده سبحانه وأشكره ذو الفضل والمنّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعاذ عباده من شر الناس والجنّة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله قائد المؤمنين ودليل الملة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه في السراء والملمّة أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن المجادلة وعن لغة الحوار، والمراء والخوض في علم الكلام وما يجلب الآثام ويصدّ عن الشرع، وقال رحمه الله إياك والممارة فإنها نقمة أما المناظرات في الحق فإنها نعمة إذ الناظرة الحقة فيها إظهار الحق على الباطل والراجح على المرجوح فهي مبنية على المناصحة والحلم ونشر العلم أما المماراة في المحاورات والمناظرات فإنها تحجج ورياء ولغط وكبرياء ومغالبة ومراء وإختيال وشحناء ومجارة للسفهاء.
فاحذرها وإحذر فاعلها تسلم من المآثم وهتك المحارم، وقد حثنا الإسلام علي عدم الدخول في الجدال والمراء، فقال ابن أبي ليلى ما ماريت أخي لأن أرى إن ماريته إما أن أكذبه وإما أن أُغضبه، وعن معن بن عيسى قال انصرف مالك بن أنس رحمهما الله يوما من المسجد وهو متكئ على يدى قال فلحقه رجل كان يتهم بالإرجاء، فقال يا أبا عبدالله اسمع مني شيئا أكلمك به وأحاجك وأخبرك برأيي، قال فإن غلبتني ؟ قال فإن غلبتك اتبعني قال فإن رجل جاء آخر فكلما فغلبنا؟ قال نتبعه فقال مالك يا عبدالله بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين، وجاء رجل إلى الحسن رحمه الله فقال يا أبا سعيد، تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه، وكان الحسن البصري رحمه الله.
كان ينهي عن الخصومات في الدين، وأما عن الباعث على المراء والجدال فهو ما قاله الإمام الغزالي رحمه الله أما الباعث على هذا فهو الترفع بإظهار العلم والفضل والتهجم على الغير بإظهار نقصه، وهما شهوتان باطنتان للنفس قويتان لها، وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله ما سكت من سكت عن كثرة الخصام والجدال من سلف الأمة جهلا ولا عجزا ولكن سكتوا عن علم وخشية لله، وما تكلم من تكلم وتوسع من توسع بعدهم لاختصاصه بعلم دونهم، ولكن حبا للكلام وقلة ورع، وأما عن الجدال والمراء المذموم قال عنه الإمام ابن الأثير الجزري رحمه الله المراء أي الجدال والتماري والمماراة، هو المجادلة على مذهب الشك والريبة، وقال الإمام ابن بطة العبكري رحمه الله المراء الذي يحذره المؤمنون ويتوقاه العاقلون، المراء الذين بين أصحاب الأهواء.
وأهل المذاهب والبدع وهم الذي يخضون في آيات الله ويتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة، وإبتغاء تأويله الذي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، يتأولونه بأهوائهم ويفسرونه بأهوائهم ويحملونه على تحمله عقولهم فيضلون بذلك ويضلون من اتبعهم عليهم، وقال الإمام الغزالي رحمه الله وحدّ المراء هو كل إعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه، إما في اللفظ وإما في المعنى وإما في قصد المتكلم، وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله ولا نماري في دين الله، معناه لا نخاصم أهل الحق بإلقاء شبهات أهل الأهواء عليهم التماسا لامترائهم وميلهم لأنه في معنى الدعاء إلى الباطل وتلبيس الحق وإفساد دين الإسلام، فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

