
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ” الترمذي، فلم تعرف المناهج البشرية رحمة بالصغير مثل رحمة النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم به، ولا يخفى على إنسان حال الصغير وحاجته إلى الرحمة والشفقة.
وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك قولا وعملا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ” ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره أي ” زوج مرضعته ” قينا أي حدادا، فيأخذه فيقبله ثم يرجع” رواه أحمد، وعن أبى قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبى العاص وهى ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه، فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها ” رواه مسلم، ويظهر في الحديث كما يقول ابن حجر ” رحمة الولد وولد الولد ولد ومن شفقته صلى الله عليه وسلم ورحمته لأمامة أنه كان إذا ركع أو سجد يخشى عليها أن تسقط فيضعها بالأرض.
وكأنها كانت لتعلقها به لا تصير في الأرض فتجزع من مفارقته فيحتاج أن يحملها إذا قام وإستنبط منه بعضهم عظم قدر رحمة الولد لأنه تعارض حينئذ المحافظة على المبالغة في الخشوع والمحافظة على مراعاة خاطر الولد، فقدم الثاني ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لبيان الجواز ” وروى البخاري في الأدب المفرد عن يعلى بن مُرّة أنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ودُعينا إلى طعام ، فإذا حسين يلعب في الطريق فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر ها هنا وهاهنا ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه ثم إعتنقه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم حسين منى وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت.
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال تقبّلون الصبيان ؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ” رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ” قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يرحم لا يُرحم ” رواه البخاري، ولم تكن رحمته صلى الله عليه وسلم بالصغير قاصرة على أهل بيته، بل على الجميع، فإنه صلى الله عليه وسلم أرسله ربه رحمة للعالمين، فقال الله تعالى ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت عثر أي وقع، أسامة بعتبة الباب فشج في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطي أي أزيلي عنه الأذى.
فتقذّرته أي كرهت، فجعل يمص عنه الدم ويمجه عن وجهه، ثم قال لو كان أسامة جارية لحليته وكسوته حتى أنفّقه أي أزوجه رواه ابن ماجه، فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله كما أمركم الله في كتابه وقال صلى الله عليه وسلم “من صلى عليّ صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشرا” اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.


