حين يطلُّ علينا شهر ربيع الأول، تتزين القلوب قبل المآذن، وتنتشي الأرواح قبل المجالس، ويعود في الذاكرة ذلك اليوم المهيب الذي انبثق فيه النور إلى الدنيا، يوم وُلد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ليس المولد النبوي ذكرى عابرة نمرُّ بها مرور العابرين، بل هو حدث فريد غيَّر مسار الإنسانية، وميلاد أضاء الأرض والسماء معًا. ففي مولده ارتفعت راية الرحمة، وانطلقت رسالة العدل، وتجلَّت إنسانية الإنسان في أبهى معانيها.
إن الاحتفاء بالمولد الشريف هو استحضار لسيرة زكية وذكرى نبوية، نتفيأ ظلالها لنقتبس من وهجها قبسًا يضيء حاضرنا. فهو يوم نستعيد فيه وصايا الرحمة، ونستحضر أخلاق الصدق والأمانة، ونجدّد العهد مع مكارم الأخلاق التي بُعث النبي ليتممها.
الاحتفال ليس مظهراً شكلياً ولا مديحاً صوتياً، بل هو حياة تُترجم فيها القيم إلى سلوك، والفضائل إلى واقع ملموس. إنما هو دعوة مفتوحة لأن تكون بيوتنا رحيمة، ومجتمعاتنا متماسكة، وأعمالنا شاهدة على صدق الانتماء لرسول الله.
فلنكن أوفياء لذكرى مولده العظيم؛ نُحييها في قلوبنا محبة، وفي ألسنتنا ثناءً، وفي أعمالنا اقتداءً. فمولده لم يكن مولد إنسان فحسب، بل كان مولد أمة، وابتداء حضارة، وانطلاق رسالة ستبقى خالدة ما بقي الزمان.
سلامٌ عليك يا رسول الله يوم ولدت، ويوم جئت للعالم رحمة، ويوم نلقاك عند الحوض شفيعًا ورحمة للعالمين.