إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير والكثير عن المجادلة وعن الخطورة التي تأتي من وراء المجادلة، وكما ذكرت المصادر أنه هناك نوعان من المجادلة نوع مباح ونوع محظور، أما النوع المباح من المجادلة الذى يشيع بين العامة فقد رغب النبى صلى الله عليه وسلم فى تركه لإنه من دواعى الفطرة فيثقل على النفس تركه، كذلك جاء الترغيب فى تركه من باب درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ولأنه يعلم أنه صنو الضلال والإنحراف، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
“أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا” وقدم النبى صلى الله عليه وسلم الوقاية على العلاج وإستأصل الداء قبل نشؤه وحل المشكلة قبل وقوعها، ولما كان هذا هو شأن الجدال والمراء، فقد تجنب السلف الخوض فيه وحذروا منه وورد عنهم آثار كثيرة فيه منها هو قول ابن عباس رضي الله عنهما ” كفى بك ظلما ألا تزال مخاصما وكفى بك إثما ألا تزال مماريا” وقال ابن عباس لمعاوية رضي الله عنهما هل لك في المناظرة فيما زعمت أنك خاصمت فيه أصحابي ؟ قال وما تصنع بذلك ؟ أشغب بك وتشغب بي، فيبقى في قلبك ما لا ينفعك، ويبقى في قلبي ما يضرك” وقال الحسن إذ سمع قوما يتجادلون هؤلاء ملوا العبادة وخف عليهم القول وقل ورعهم فتكلموا” وقال ابن أبي الزناد ” ما أقام الجدل شيئا إلا كسره جدل مثله ” وقال الإمام الأوزاعي.
” إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدل ومنعهم العمل” وقال الصمعي ” سمعت أعرابيا يقول من لاحى الرجال وماراهم قلت كرامته ومن أكثر من شيء عرف به ” وأخرج الآجري بسنده عن مسلم بن يسار رحمه الله أنه قال ” إياكم والمراء، فإنه ساعة جهل العالم وبها يبتغي الشيطان زلته” وأخرج أن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله قال ” من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل” وكان أبو قلابة يقول لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ؟ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم، وقيل جاء رجل إلى الحسن فقال يا أبا سعيد، تعالى حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه، وكان عمران القصير يقول إياكم والمنازعة والخصومة، وإياكم وهؤلاء الذين يقولون أرأيت أرأبت.
وقيل دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء، فقالا يا أبا بكر نحدثك بحديث ؟ قال لا، قال فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل ؟ قال لا، لتقومن عني أو لأقومنه، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل” ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ” ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ” فالجدال كثيرا ما يميل إلى الخصومة في الكلام، كما ينطوي على حرص كل واحد من المتجادلين على غلبة خصمه وإفحامه وإلزامه الحجة وبيان خطئه، ونتيجة لهذا فإن من المألوف أن يقع خلال الجدل بعض الظلم والادعاء والكذب والتطاول وإستخفاف أحد المتجادلين بالآخر، ومن هنا وجهنا الله سبحانه وتعالي إلى أن نجادل المجادلة المقيدة بالأدب الإسلامي الرفيع، والمجادلة بالحق الساعية إليه حيث قال تعالى ” وجادلهم بالتي هي أحسن “