دين ومجتمع

الوطن هو من يصنع لأبنائه وجودهم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، والصلاة والسلام على محمد سيد البشر، الشفيع المشفع فى المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه ما اتصلت عين بنظر او سمعت اذن بخبر، فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما ” إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم تسليما” فاللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وبعد الوطن هو المكان الذي يشعرني في الدفء والأمان، ففيه ذكريات الطفولة، وهو شاهد على أحلامنا وأمنياتنا ومستقبلنا، تعلمت حبه منذ الصغير، وكان قدوتي في ذلك سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أحب مكة حبا شديدا، وتعلق بها تعلقا كبيرا، إذ قال فيها ” ما أطيبك من بلد، وما أحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك”

وأما عن حب الوطن في السنة النبوية المطهرة، فقد جاء في صحيح البخاري ومسلم في قصة بداية نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهابه إلى ورقة بن نوفل، وقول ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم ليتني أكون معك إذ يخرجك قومك فقال صلى الله عليه وسلم “أوا مخرجي هم؟” ويقول السهيلي يؤخذ منه شدة مفارقة الوطن على النفس، فإنه صلى الله عليه وسلم سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه إنزعاج لذلك، فلما ذكر له الإخراج تحركت نفسه لذلك، لحب الوطن وإلفه، لإن حب الوطن هو شيء نابع من القلب والوجدان، وهو شيء لا يمكن تزييفه أو إدعاءه لأنه يأتي بالفطرة السليمة، فكل إنسان وحيوان وطائر يحن لوطنه مهما حل أو إرتحل، لذلك يعتبر الوطن من المقدسات في ضمير جميع الأحياء، ومن يتنازل عن حقه في حب الوطن.

يكون كمن يتنازل عن نظر عينيه، لأن الوطن هو من يصنع لأبنائه وجودهم وهو الذي يجعل للإنسان قيمة، فحب الوطن ليس مجرد كلمات تقال أو شعارات ترفع، ولا هو حطابات رنانة تشعل الروح الحماسية ويهتف بها الشعب، بل هو فعل قبل القول وترجمة على أرض الواقع، فحب الوطن يكون بالدفاع عنه لأخر رمق، والوقوف إلى جانب قضاياه في الحرب والسلم، ودحر كل غاصب يحاول أن يعتدي عليه، وعن عبدالله بن عدي بن الحمراء لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال ” أما والله لأخرج منك، وأني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىّ، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منكي ما خرجت” رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولما جاء الصحابة رضي الله عنهم إلى المدينة أصابتهم الحمى حتى بلغت ببعضهم إلى الهذيان من شدتها.

تروي أم المؤمنين عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفه ” رواه البخاري ومسلم، قال السهيلي وفي هذا الخبر وما ذكر من حنينهم إلى مكة ما جبلت عليه النفوس من حب الوطن، وجاء في صحيح البخاري وغيره، عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يرقي مريضا بل أُصبعه بريقه، ثم وضعه على التراب، ثم مسح به المريض، ثم قال ” بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا، وهذا الحديث دليل على أن الإنسان متعلق بوطنه تعلقا شديدا حتى أنه يمرض إذا فارقه، كما مرض الصحابة لما فارقوا بلدهم مكة ” رواه البخاري ومسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock