اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحفيين
بقلم الجيوفيزيقي- محمد عربي نصار

حماية الحقيقة… مسؤولية عالمية تتجاوز الحدود
في الثاني من نوفمبر من كل عام، يرفع العالم صوته من أجل قضيةٍ تمسّ جوهر الإنسانية: حقّ الصحفي في الحياة، وواجب المجتمع في حماية الحقيقة.
فقد أقرت الأمم المتحدة هذا اليوم تخليدًا لذكرى الصحفيين الفرنسيين جيزلين دوبون وكلود فيرلون، اللذين قُتلا في مالي عام 2013 أثناء أداء واجبهما المهني. ومنذ ذلك التاريخ، بات هذا اليوم رمزًا عالميًا لتجديد العهد بأن الحقيقة لا تُقصف، والصوت الحر لا يُكمم.
ما بين الرسالة والمخاطرة
الصحافة في جوهرها ليست مجرد مهنة، بل التزام أخلاقي تجاه الناس.
لكن في مناطق النزاعات، يتحول القلم إلى هدف، والعدسة إلى خطر.
تشير تقارير الأمم المتحدة واليونسكو إلى أن أكثر من 1200 صحفي فقدوا حياتهم خلال العقدين الأخيرين، وأن نحو 9 من كل 10 جرائم ضدهم تمرّ دون عقاب — وهي أرقام تكشف عن أزمة أخلاقية وإنسانية عميقة تستدعي تحركًا دوليًا أكثر قوة وشفافية.
من غزة إلى جنين… ومن الحدود اللبنانية إلى العالم
شهدت المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة سلسلةً من الأحداث الدامية التي طالت الصحفيين أثناء قيامهم بواجبهم المهني، لتتحول الكاميرا إلى شاهدٍ على الحقيقة وشهيدٍ من أجلها.
من فلسطين… أصوات لم تنكسر
بلال جاد الله (2023)
رئيس مؤسسة بيت الصحافة بغزة، استُهدف في قصفٍ مباشر لسيارته في حي الزيتون أثناء توثيقه للدمار الإنساني الذي خلّفته الحرب.
ياسر مرتجى (2018)
المصوّر الشاب الذي ارتدى سترةً تحمل كلمة PRESS، فاخترقت رصاصات الاحتلال صدره بينما كان يوثّق مسيرات العودة.
أحمد أبو حسين (2018)
مراسل ميداني أصيب أثناء تغطية احتجاجات العودة، ليلتحق بعد أيام بزميله مرتجى في سجل الشرف الصحفي.
ومن العالم… وجوه حملت الكلمة عبر اللغات
إصـام عبد الله (لبنان – رويترز، 2023)
قُتل على الحدود اللبنانية بقصفٍ مباشر أثناء تغطيته العمليات العسكرية الإسرائيلية، رغم ارتدائه خوذة وسترة الصحافة.
شيرين أبو عاقلة (فلسطين – الولايات المتحدة – الجزيرة، 2022)
صوت الحقيقة في الميدان، قُتلت أثناء تغطية اقتحام جنين، لتصبح رمزًا عالميًا لنضال الصحفيين من أجل الحق في نقل الوقائع.
جيمس ميلر (المملكة المتحدة – 2003)
صانع الأفلام الوثائقية الذي قُتل في رفح أثناء تصوير معاناة الأطفال تحت القصف.
رافايلي تشيرييلو (إيطاليا – 2002)
مراسل ميداني فقد حياته أثناء تغطيته للأحداث في رام الله خلال الانتفاضة الثانية.
سيموني كاميلي (إيطاليا – أسوشييتد برس، 2014)
لقي حتفه في انفجار ذخيرة إسرائيلية غير منفجرة أثناء محاولته توثيقها، مؤكدًا أن المخاطر لا تنتهي حتى بعد توقف القتال.
العدالة تبدأ من الاعتراف
يدعو هذا اليوم المجتمع الدولي إلى مبدأ بسيط لكنه جوهري: لا حرية من دون مساءلة، ولا سلام من دون عدالة.
إنّ حماية الصحفيين ليست مطلبًا مهنيًا فحسب، بل ركيزة أساسية لضمان الشفافية، ومنع تضليل الرأي العام، وصون كرامة الإنسان في زمن تتسارع فيه الأخبار وتشتد فيه النزاعات.
من القاهرة إلى العالم
من أرضٍ أنجبت أعرق الصحف العربية، وإعلاميين حملوا رسالة الوعي والمسؤولية، تؤكد مصر اليوم، كما يؤكد العالم الحر، التزامها بدعم قيم حرية الكلمة، وتشجيع الإعلام المسؤول، والتعاون الإقليمي والدولي لمواجهة ظاهرة الإفلات من العقاب.
فالرسالة واحدة:
إنّ حماية الصحفيين ليست دفاعًا عن مهنة، بل دفاع عن ضمير العالم.



