مقالات وآراء

بين تقمّص الأدوار وتكرار الظلال

بقلم -محمود سعيد برغش

في السنوات الأخيرة، انتشرت ظاهرة ظهور بعض الأشخاص على المنصات ووسائل الإعلام وهم يحاولون تشخيص أدوار فنانات تركن بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن العربي. وعلى الرغم من أن بعض هذه المحاولات تُقدَّم تحت شعار «التكريم»، إلا أن أغلبها يتحول إلى مادة دسمة للنقد والسخرية، بسبب غياب الموهبة الحقيقية وروح الشخصية الأصلية.

إن تقمّص شخصية فنانة كبيرة ليس مهمة سهلة، بل هو مسؤولية فنية وثقافية وأخلاقية. فحين يتقدم شخص لتجسيد فنانة من الزمن الجميل، فإنه يدخل في مقارنة مباشرة مع إرث ضخم وشخصية صنعت لنفسها مكانًا في ذاكرة الجمهور. وهنا يظهر السؤال:
هل ما نراه تكريم للفن أم استسهال يُفرغ الشخصية من قيمتها؟

كثير من هذه المحاولات تقع في فخ التقليد الخارجي: ملامح مُقلَّدة، حركات محفوظة، ونبرة صوت مصطنعة. لكن هذا كله لا يخلق شخصية، ولا يعيد روح الفنانة الأصلية. لأن الفن إحساس قبل أن يكون شكلاً، وعمق قبل أن يكون مكياجًا أو تسريحة شعر. وحين يُختزل الأداء في مظهر سطحي، يتحول المشهد من محاولة إحياء إلى صورة مشوّهة تجرّ خلفها النقد اللاذع.

وليس كل من يشبه فنانة يمكنه أن يؤدي دورها. فالشكل لا يصنع فنانًا، والموهبة لا تُستعار. والجمهور، مهما بدا متساهلًا، لا يغفر الاستسهال، ولا يتسامح مع من يُشوّه تاريخًا كاملًا بحسن نية أو رغبة في الظهور.

إن تجسيد فنانات الزمن الجميل يحتاج لوعي بقيمة الفن، واحترام لرموزه، وقدرة على فهم تفاصيل الشخصية وسياقها وثقافتها. فهذه الشخصيات ليست مجرد أدوار، بل جزء من ذاكرة الفن العربي التي تستحق أن تُقدَّم بشكل يليق بها لا أن تُقلَّد بشكل باهت يسيء لها.

وفي النهاية، يبقى السؤال المفتوح أمام كل من يحاول ارتداء ملامح فنانة سابقة:
هل أنت تُحيي الماضي بالفعل… أم تُكرر الظلال فقط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock