يُحكى أن طبيبًا شابًا وضع إعلانًا لعيادته، أرفق صورته معه كما يفعل كل الأطباء، ثم مضى إلى يومه هادئًا لا ينتظر أكثر من سؤال مريض أو موعد جديد.
لكن الطبيب لم يكن يعلم أن الصورة ستصبح مدخلًا لاختبارٍ أخلاقي، لا علاقة له بالطب، ولا بالإعلان، بل بما نخفيه نحن خلف الشاشات.
في ساعات قليلة، امتلأت التعليقات بكلمات غريبة…
مزاحٌ ثقيل، وغزلٌ لا يليق، وجرأة في التعبير تكشف ما لا يُفترض كشفه.
حتى قالت إحداهن ساخرة:
“دا أنا كده مخطوبة لقرد!”
لم تكن المشكلة في الطبيب ولا في صورته، بل في النفوس التي ظهرت على حقيقتها عندما ظنّت أن الموقف “خفيف”، وأن التريند يبرر كل شيء.
وليس أصعب على مجتمعٍ يُحسن الظن بنفسه من أن تكشفه كلمة… أو تعليق.
وقفتُ أمام المشهد طويلًا، لا لأجل الطبيب، بل لأجل الحال.
هل صار التريند أقوى من الأخلاق؟
هل صرنا نكتب ما نستحي أن ننطق به؟
وهل فقدت الكلمة وزنها، والنظرة ضابطها، والحياء مكانه؟
صرنا في زمن الموجة والتريند، زمن الخوض مع الخائضين، الذي حذّر منه القرآن بوضوح.
وكذا في الحديث
«لا يكوننّ أحدُكم إمَّعة»
أي لا تقل: أنا مع الناس… إن أحسنوا أحسنت وإن أساؤوا أسأت.
والإمّعة اليوم هو الذي يكتب بلا وعي، ويجري خلف التريند بلا ضابط، ويبرر لنفسه ما لا يليق فقط لأن غيره فعله.
ولأن الصورة كشفت ما كشفت، فإنها تعطي درسًا – لمن أراد – في قيمة الأخلاق.
فالتربية ليست كلمات نكتبها على الجدران، بل سلوك نمارسه في الخفاء قبل العلن.
وهنا أقول لكل شاب يريد زوجة، ولكل فتاة تبحث عن رجل: اسألوا عن الأخلاق أولا.
ويا صديقي…
بين ضجيج التريند ونقاء الأصل معركة داخلية يخوضها كل إنسان.
فإما أن تثبت على ما يحفظك،
وإما أن تذوب في زحام لا يعرفك ولا يرحمك.
فالتريند يعلو… ثم يهبط.
والصورة تلمع… ثم تُنسى.
لكن الأخلاق وحدها تبقى،
وهي الميزان الذي لا يتغير مهما تغيّر الناس.
في زمن الضجيج هذا، ابحث عمن تثبت،
وعمن تحفظك في حضورك وغيابك،
وعمن ترى فيك رجلاً ولو رأت العالم كلَّه أمامها.
فالأخلاق لا تُقاس بتعليق، ولكن التعليق يكشف ما لم نكن نراه.
وما تكشفه كلمة… أكثر من ألف صورة.
