بقلم عصران الراوي
فى اللحظة التى تتسارع فيها الأزمات الدولية وترتفع فيها حرارة الملفات الجيوسياسية تعود فنزويلا إلى واجهة المشهد من جديد بعد تقارير صحفية أمريكية تتحدث عن مفاوضات غير معلنة بين واشنطن ومسؤولين فنزويليين وأن الرئيس نيكولاس مادورو قد يكون مستعدا للتنحى بعد فترة انتقالية يتم التفاهم عليها هذه التسريبات ليست تفصيلا عابرا بل مؤشر على أن الدولة النفطية الغارقة فى الانهيار الاقتصادى باتت على أعتاب إعادة ترتيب أوراقها تحت ضغط أمريكى غير مسبوق
الولايات المتحدة التى جربت العقوبات وخنق الاقتصاد واستخدمت ورقة المعارضة لم تفلح حتى الآن فى إزاحة مادورو لذلك يبدو أن إدارة ترامب تعيد اختبار أدوات أخرى بحسابات أكثر جرأة الحديث عن تحركات عسكرية محتملة أو عن توسيع نطاق الضغط لا يأتى من فراغ بل من قناعة لدى واشنطن بأن لحظة الحسم تقترب وأن النظام فى كاراكاس يعيش أضعف مراحله منذ سنوات
التسريبات حول استعداد مادورو لمنح شركات الطاقة الأمريكية طريقا ممهدا إلى الثروة النفطية الفنزويلية تعكس إدراكا داخل القصر الرئاسى بأن بقاءه ليس معركة سياسية فقط بل معركة موارد ومنظومة حكم واستمرار سيطرة فنزويلا على نفطها أصبح مهددا للمرة الأولى منذ العقدين الماضيين وفكرة القبول بمرحلة انتقالية مهما حاول النظام تغليفها تبدو أقرب إلى صفقة اضطرارية لا خيارا سياديا
لكن المثير أن اللعبة لا تزال مفتوحة فلا البيت الأبيض حسم خياراته ولا كاراكاس قادرة على الصمود طويلا أمام العزلة الدولية والأزمة المعيشية الكارثية الشارع الفنزويلى الذى أنهكته الطوابير وانعدام الخدمات لن يبقى خارج المعادلة إلى الأبد وما تخشاه الإدارة الأمريكية هو انفجار داخلى بلا سقف قد يخلط الحسابات كلها
فى النهاية ما يجرى ليس مجرد تفاوض سرى ولا مجرد تسريبات صحفية بل فصل جديد من صراع طويل بين دولة تبحث عن الخروج من جلباب الهيمنة الأمريكية وبين قوة عظمى قررت ألا تترك فنزويلا للانهيار أو للتحالفات المناوئة لها مستقبل كاراكاس سيتحدد بين ضغط واشنطن وخيارات مادورو وبين قدرة الفنزويليين أنفسهم على فرض معادلة جديدة قد تطيح بكل الأطراف
على حد سواء



