المشروع القومي لإصلاح التعليم كيف نصنع جيلاً من “صانعي الحلول”
بقلم الدكتور احمد صفوت السنباطي

في قلب كل أزمة تواجهها مصر، من الاقتصاد إلى المياه إلى الطاقة، يتردد صدى سؤال جوهري واحد لماذا نعجز عن إنتاج الحلول الجذرية لمشاكلنا المتكررة؟ والإجابة تكمن في المنظومة التي تشكل عقل ووجدان الأجيال، إنها منظومة التعليم التي ما زالت تنتج متلقين سلبيين، يحفظون الإجابات الجاهزة، بدلاً من مفكرين ناقدين، يطرحون الأسئلة الصحيحة ويبتكرون الحلول المبدعة إن إصلاح التعليم ليس رفاهية ثقافية أو مشروعاً جانبياً، بل هو المشروع القومي الأهم، لأنه الأساس الذي ستبنى عليه كل المشروعات الأخرى، والطريق الوحيد لصناعة جيل من “صانعي الحلول” القادرين على مواجهة تحديات المستقبل التي لا نعرفها اليوم.
صناعة هذا الجيل تبدأ من تغيير فلسفة التعليم ذاتها، من نموذج قائم على التلقين والحفظ، إلى نموذج قائم على التساؤل والتفكير النقدي والابتكار يجب أن تتحول الفصول من سجون صامتة يجلس فيها الطلاب متفرجين، إلى ورش عمل نشطة، يختبرون فيها ويخطئون ويصلحون، يتعلمون من فشلهم كما يتعلمون من نجاحهم المناهج يجب أن تتحول من كتب مليئة بالمعلومات التي تنسى بعد الامتحان، إلى أدوات تنمي المهارات الحياتية الأساسية مثل حل المشكلات، العمل في فريق، التفكير المنطقي، والتعبير عن الرأي التقييم يجب أن ينتقل من اختبارات الذاكرة إلى قياس القدرة على التحليل والربط والتطبيق والابتكار.
المحور في هذه الثورة التعليمية هو الربط العضوي بين التعليم وسوق العمل واحتياجات المجتمع، فليس مقبولاً أن يظل التعليم في برج عاجي منفصل عن واقع البلاد بل يجب أن تدرس التحديات القومية الحقيقية التي تواجه مصر، مثل أزمة المياه والطاقة والبطالة، داخل الفصول، ويطلب من الطلاب اقتراح حلول إبداعية لها يجب أن تتحول المدارس والجامعات إلى حاضنات للمشروعات الصغيرة، حيث يتعلم الطالب كيف يحول فكرته إلى منتج، وكيف يسوقه، وكيف يحاسب على أرباحه وخسائره التعليم يجب أن يصبح شريكاً في بناء الاقتصاد الوطني، وليس عبئاً على موازنة الدولة
لا يمكن أن نطلب من الطالب أن يكون مبدعاً في مجتمع يقمع الاختلاف ويقدس النمطية، لذلك يجب أن يكون إصلاح التعليم مصحوباً بتحول ثقافي مجتمعي، يقبل التعددية الفكرية ويحترم الاختلاف في الرأي، ويشجع على المخاطرة المحسوبة ولا يهزم من يحاول ويفشل المعلم هو حجر الزاوية في هذه المعادلة، فلا يمكن أن نصنع جيلاً من صانعي الحلول بمعلم هو نفسه مجرد موظف ينفذ تعليمات، بل يجب إعادة تأهيله وتدريبه ليكون موجهاً ومرشداً ومحفزاً للإبداع، وليس مجرد ناقل للمعلومات.
في النهاية، إصلاح التعليم هو استثمار في العقل المصري، الذي أثبت عبر التاريخ أنه حين يُطلق سراحه من قيود التلقين، يمكن أن يبدع ويبتكر ويقدم للعالم أجمع الجيل القادم لن يحتاج إلى من يحفظ له تاريخ مجده، بل إلى من يمكنه أن يصنع مجداً جديداً، ولن يتمكن من ذلك إلا إذا امتلك أدوات العصر الفكر النقدي، والفضول العلمي، والشجاعة الأخلاقية، والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص هذا هو الجيل الذي سيكتب مستقبل مصر، ليس بانتظار الحلول، بل بصناعتها



