تتجه السياسة المصرية إلى مسار أكثر وضوحا فى التعامل مع الملف الإثيوبى فى ظل تصاعد الخلافات المرتبطة بسد النهضة حيث أكد وزير الخارجية المصرى أن القاهرة لن تقف مكتوفة الأيدى وأنها ستدافع عن حقها الكامل في حماية أمنها القومي إذا وقع أي ضرر على مصر مشددا على أن السد الإثيوبى خطأ تم تشييده بشكل أحادي وأن تبعاته ستنعكس على علاقة طويلة ومعقدة بين البلدين
وتشير معطيات الواقع إلى أن مصر تمتلك أوراق ضغط حقيقية قادرة على التأثير في حسابات أديس أبابا على المدى الطويل خاصة في ظل الطبيعة الجغرافية لإثيوبيا كدولة حبيسة تفتقر إلى منفذ بحري وهو ما يمثل نقطة ضعف استراتيجية بالغة التأثير على اقتصادها وأمنها القومي
وخلال الفترة الأخيرة برزت تقارير صحفية تؤكد موافقة مصر على الدخول في شراكات لتطوير موانئ استراتيجية في إريتريا وجيبوتي وهما المنفذان البحريان الأهم في محيط إثيوبيا التاريخي على البحر الأحمر وخليج عدن حيث تشمل هذه التحركات تطوير ميناء عصب الإريتري وميناء دوراليه في جيبوتي ورفع طاقتهما الاستيعابية وإنشاء أرصفة حديثة قادرة على استقبال السفن الكبيرة بما فيها القطع البحرية العسكرية وإتاحة المجال لوجود وحدات عسكرية نوعية
وتعاني إثيوبيا منذ استقلال إريتريا عام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين من غياب المنفذ البحري وهو ما قيد قدرتها على التمدد الاقتصادي والنفوذ الإقليمي وجعلها تعتمد بشكل شبه كامل على موانئ الدول المجاورة الأمر الذي حد من سيادتها على قراراتها التجارية والسياسية وأضعف قدرتها على التأثير البحري في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي
ويمثل حلم الوصول إلى البحر ضرورة حيوية لإثيوبيا ليس فقط لدعم النمو الاقتصادي بل أيضا لحماية مصالحها الإقليمية وبناء قوة بحرية تمنحها ثقلا استراتيجيا أكبر غير أن هذا الهدف يصطدم بتحركات مصر التي تسعى إلى تأمين مصالحها المائية ومنع أي تهديد محتمل في منابع النيل خاصة في ظل السياسات الإثيوبية المرتبطة بسد النهضة وتوجهات حكومة آبي أحمد
وتدرك مصر أن السيطرة على الموانئ ومنافذ التجارة البحرية لم تعد مجرد أدوات اقتصادية بل أصبحت ركائز أساسية للنفوذ السياسي والأمني في عالم يتجه نحو حروب الموانئ الذكية المعتمدة على البيانات والتحكم في سلاسل الإمداد العالمية حيث تمثل الموانئ شرايين الحياة للاقتصاد الدولي ومفاتيح المستقبل الاستراتيجي
ومن هذا المنطلق تتحرك القاهرة بخطوات محسوبة لمنع أي سيناريو يهدد أمنها المائي واضعة إثيوبيا أمام واقع جديد يعيد تشكيل موازين القوة في المنطقة وربما يدفع في المستقبل إلى مفارقات سياسية غير متوقعة قد تصل إلى طلب إثيوبيا نفسها التعاون مع مصر لضمان عبورها التجاري عبر جيبوتي وإريتريا في إطار ترتيبات إقليمية جديدة تعكس ثقل النفوذ المصري المتنامي في القرن