
تمر جماعة الإخوان المسلمين في واحدة من أخطر محطات وجودها التاريخي، حيث تضعها قرارات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على محك دولي لم تشهد مثله من قبل لم تكن هذه القرارات مجرد إجراءات روتينية في سياق السياسة الأمريكية، بل مثلت زلزالاً حقيقياً هز أركان الجماعة وأعاد تشكيل الخريطة الدولية للتعامل معها لقد نقلت واشنطن المعركة من الساحة الإقليمية، حيث كانت محصورة بين الإخوان وأنظمتهم المعادية، إلى الساحة الدولية بكل تعقيداتها وتشابكاتها تداعيات هذا التحول لا تزال تتردد في عواصم العالم، وتضع الجماعة أمام اختبار وجودي حقيقي الاختبار الأول والأكثر وضوحاً يتمثل في العزلة الدولية المتزايدة قرار ترامب بتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، وإن كان شكلياً في بعض جوانبه القانونية، إلا أنه حمل دلالات سياسية هائلة لقد أعطى هذا القرار شرعيةً دوليةً لكل الأطراف التي كانت تحارب الإخوان، ووفر لها غطاءً أخلاقياً وسياسياً لم تكن تمتلكه من قبل الدول التي كانت تتردد في الماضي، أو تتخذ مواقف متوازنة، وجدت نفسها تحت ضغوط متعددة للموافقة على هذا التصنيف أو على الأقل لتشديد سياساتها تجاه أنشطة الجماعة لقد تحول الإخوان من جماعة سياسية مثيرة للجدل إلى كيان ملوث بصفة “الإرهاب” في الخطاب الدولي السائد.
الاختبار الثاني يتمثل في الحصار المالي والاقتصادي فبمجرد إعلان التصنيف، دخلت الجماعة ومؤيدوها في دوامة من العقوبات المالية والقيود على تحويل الأموال لم يعد الأمر مقصوراً على تجميد الأصول في الدول المعادية، بل امتد ليشمل تعقب الشبكات المالية للجماعة في مختلف أنحاء العالم المؤسسات الخيرية والجمعيات التي كانت تشكل مصدر دعم مهمة وجدت نفسها تحت المجهر، واضطرت إما إلى وقف أنشطتها أو تغيير هويتها بشكل جذري هذا الحصار المالي لم يضعف قدرة الجماعة على العمل فحسب، بل عرقل جهودها الإغاثية والإنسانية التي كانت تستخدمها كأداة لكسب التعاطف والتأييد الشعبي .
الاختبار الثالث والأكثر خطورة هو الانقسام داخل بيئة الإسلام السياسي نفسه قرارات ترامب لم تستهدف فقط جماعة الإخوان، بل وجهت رسالة واضحة لكل الجماعات الإسلامية بأن خط الاعتدال الذي تتبناه الإخوان لم يحمها من التصنيف هذا دفع ببعض الأصوات داخل هذه الجماعات إلى مراجعة مواقفها، بينما شجع أصواتاً أخرى على تبني خطاب أكثر تشدداً، معتبرة أن لا فرق بين الاعتدال والتطرف في عيون الغرب هذه الديناميكية تهدد بتمزيق النسيج الداخلي لتيار الإسلام السياسي برمته.
غير أن الصورة ليست سوداء بالكامل، فهناك تحديات أمام نجاح هذه الاستراتيجية الأمريكية فالموقف الأوروبي، على سبيل المثال، لا يزال متحفظاً على التصنيف الكامل للجماعة دول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تفضل سياسة أكثر دقة، تفصل بين التيار السياسي للجماعة والتنظيمات الإرهابية المسلحة هذا الانقسام بين الضفتين الأطلسيتين يخلق مساحة للتنفس يمكن للجماعة أن تستغلها، خاصة في مجال الدعوى القضائية والإعلامية كما أن وجود حلفاء إقليميين أقوياء مثل تركيا وقطر، اللذين يقدمان دعماً سياسياً وإعلامياً بل ومأوى للعديد من قيادات الجماعة، يعني أن العزلة ليست مطلقة هذه الدول تمثل منافذ مهمة تسمح للجماعة بالحفاظ على وجودها التنظيمي والتأثير في الرأي العام بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الدول التي حظرت فيها الجماعة، مثل مصر وتونس، قد يعيد إحياء الشعبية للإخوان، أو على الأقل يخلق مناخاً من التذمر يجعل من الصعب استئصالهم من الوجدان الشعبي.
الخيط الرفيع الذي تقف عليه الجماعة الآن هو قدرتها على التكيف مع هذه المعطيات الجديدة هل ستتمكن من إعادة اختراع نفسها؟ هل ستلجأ إلى مزيد من السرية واللامركزية في عملها؟ أم أنها ستعيد النظر في خطابها السياسي والاجتماعي لجعله أكثر قبولاً على الساحة الدولية؟ الأسئلة كثيرة والإجابات غير واضحة ما هو مؤكد أن قرارات ترامب مثلت نقطة تحول فارقة، لم تعد الجماعة بعدها كما كانت قبلها لقد حولتها من لاعب سياسي له وزنه وتأثيره إلى
كيان مطارد، يحاول البقاء في مناخ دولي أصبح أكثر عدائية وأقل تسامحاً المحك الذي تواجهه الإخوان الآن هو محك البقاء بمعناه الحقيقي إنها معركة على الشرعية، على التمويل، على التأثير، وعلى الوجود نفسه نتائج هذه المعركة لن تحدد مصير الجماعة فقط، بل سترسم ملامح مستقبل الإسلام السياسي ككل في العلاقات الدولية لعقود قادمة السؤال الملح الآن هل ستنكسر الجماعة تحت وطأة هذا الضغط الدولي المتصاعد، أم ستنجح في الخروج من هذا المحك بأدوات جديدة واستراتيجيات متجددة؟ الإجابة ليست في يد الإخوان وحدهم، بل هي نتاج لتفاعل معقد بين سياسات واشنطن، ومواقف الحلفاء الإقليميين، والتطورات الداخلية في العالم العربي، وقدرة الجماعة نفسها على إثبات أنها أكثر من مجرد منظمة إرهابية، وأنها ظاهرة سياسية واجتماعية ذات جذور عميقة



