أثار النجم حسام الجندي حالة من الجدل الهادئ لكن العميق بعد طرحه اعتراضًا واضحًا على مشروع إنشاء مدينة إعلامية جديدة، وذلك من خلال منشور عبّر فيه بصراحة عن رؤيته المهنية لما يحدث داخل المنظومة، مؤكدًا أن المشكلة لم تكن يومًا في البنية التحتية أو حجم الاستديوهات، بل في طريقة إدارة الصناعة نفسها، وفي غياب الرؤية التي تسمح للفن بأن يستعيد مجده ودوره الحقيقي. وهذا الطرح الذي جاء بوضوح وبأسلوب ناقد ومهذّب، فتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول أولويات التطوير، وحول ما إذا كانت مصر بحاجة إلى مدينة جديدة، أم أنها بحاجة إلى إعادة تشغيل ما هو موجود بالفعل بطريقة صحيحة في خطوة جريئة تفتح بابًا واسعًا للنقاش حول مستقبل الصناعة الإعلامية والسينمائية في مصر .
حسام الجندي: لدينا مدينة إنتاج إعلامي كاملة ولكن بلا روح إنتاجية
الجندي أشار في منشوره إلى أن مدينة الإنتاج الإعلامي الحالية ليست مجرد مساحة مبنية أو مجموعة استديوهات ضخمة، بل هي مشروع ضخم يمتلك كل المقومات التي كان من الممكن أن تجعل مصر مركزًا عالميًا للإنتاج الإعلامي، إلا أن السنوات الماضية حولتها إلى إطار جميل لكن بلا حركة إنتاج حقيقية، موضحًا أنها أصبحت مجرد مكان لتأجير الاستديوهات دون وجود خطط طويلة الأمد أو رؤى لصناعة محتوى ينافس كما كان يحدث في الماضي. فالطاقة الاستيعابية الهائلة للمدينة لم تُستغل؛ والفرص التي كان يمكن أن تستفيد منها الصناعة تم تجاهلها تمامًا لسنوات طويلة.
مقارنة موجعة: استديو مصر عام 1935 أنشط من مدينة كاملة اليوم
وفي واحدة من أكثر النقاط إثارة، قدّم حسام الجندي مقارنة صادمة لكنها واقعية، حين أشار إلى أن استديو مصر في عام 1935 — أي قبل ما يقارب القرن — كان ينتج أفلامًا أكثر من مخرجات مدينة الإنتاج الإعلامي خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يكشف عمق المشكلة؛ فالبنية التحتية ليست هي الأزمة، بل غياب العقل الإنتاجي، وغياب دعم الفنانين وصناع المحتوى، وعدم وجود منصات بيع قوية، ولا منظومة تمويل تسمح لأصحاب الأفكار بتقديم أعمال حقيقية يمكن أن تخلق حركة فنية مستمرة. وهذا الطرح يعيد طرح السؤال الأكبر: هل المشكلة في المباني، أم في إدارة الصناعة ومنظومة القرار؟
أزمات التمويل والبيع وتعطّل الإبداع.. عوائق أكبر من بناء مدينة جديدة
الجندي لم يكتفِ بتشخيص المشكلة، بل أشار إلى أن أزمة الصناعة الحقيقية تتجسد في غياب الاستثمار في الفنانين أنفسهم، وفقدان منصات بيع قادرة على تدوير عجلة الإنتاج، بالإضافة إلى منظومة تمويل شبه غائبة، تجعل أي مشروع فني كبير حلمًا يصعب تحقيقه. فالفنان أو المخرج أو الكاتب، في ظل هذه الظروف، يجد نفسه أمام طريق مغلق؛ لا توجد جهة إنتاجية قوية، ولا منصة توزيع تضمن وصول العمل للجمهور، ولا منظومة تشغيل تخلق حركة مستمرة داخل الصناعة. ومع غياب هذه العناصر، لن تُحدث أي مدينة جديدة — مهما كانت ميزانيتها — تغييرًا حقيقيًا.
قبل التفكير في مدينة جديدة.. كان يجب تشغيل وتطوير المتاح بدلًا من إهماله
النجم أكد كذلك أن فكرة إنشاء مدينة إعلامية جديدة بمليارات الجنيهات لا تبدو منطقية في ظل وجود مدينة قائمة بالفعل لا تعمل بكامل طاقتها، وكان يُفترض تطويرها بدلاً من تجاهلها. ودعا إلى أن يكون أي استثمار حقيقي موجّه لدعم الفنانين وصناع السينما، وتمويل مشاريع جادة، وإنشاء منصات بيع وتوزيع قوية تعيد تدوير الصناعة وتشغيل آلاف العاملين، وتفعيل منظومة إنتاج تعيد مصر إلى مركزها الطبيعي كقوة سينمائية عربية لا يُستهان بها.
البيروقراطية.. العائق الأكبر أمام أي صناعة إعلامية في العصر الحديث
واحدة من أخطر النقاط التي لفت إليها حسام الجندي كانت قضية التصاريح والتصوير داخل مصر، حيث أشار إلى أن الحصول على تصريح تصوير بات عملية مرهقة ومكلفة وبيروقراطية للغاية، لدرجة جعلت التصوير داخل البلد شبه مستحيل مقارنة بدول كثيرة تقدم التسهيلات لأجل جذب الإنتاج الفني. هذه العقبة وحدها كفيلة بتعطيل عشرات المشاريع، لأنها لا تتعلق بالمال فقط، بل بالوقت، وبثقة المنتج في أن عمله لن يتعطل بسبب المعاملات الورقية المعقدة. ومع استمرار هذا النهج، ستظل الصناعة في حالة شلل مهما بُنِيَت من مدن أو استديوهات جديدة.
خلاصة رأي الجندي.. البنية موجودة والبشر موجودون لكن المنظومة بحاجة إلى إعادة ضبط
واختتم حسام الجندي رؤيته برسالة واضحة مفادها: نحن لا نحتاج إلى مدينة جديدة بقدر ما نحتاج إلى إعادة تشغيل ما نملك بالفعل؛ فالبنية التحتية موجودة، والكوادر البشرية موجودة، والموهبة العربية لا تنقصها القدرة على الإبداع، لكن ما ينقص الصناعة هو الدعم الحقيقي والتمويل السليم والرؤية الواضحة التي تسمح لكل هذه العناصر بأن تعمل في منظومة واحدة. فإذا استمر النهج الحالي نفسه، فلن تؤدي المدينة الجديدة دورها، ولن تنجح في تحريك الصناعة خطوة واحدة للأمام.