عربي وعالمي

تعليق عمل السفارة البريطانية بالقاهرة.. رسالة احتجاج أم اعتراف بأزمة؟

بقلم : حسام النوام

في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات، أعلنت السفارة البريطانية في القاهرة تعليق أعمالها بشكل مفاجئ، دون تقديم مبررات وافية للرأي العام المصري والدولي.

القرار الذي اتخذته بريطانيا لا يمكن النظر إليه كتصعيد دبلوماسي ضد مصر بقدر ما هو مؤشر على ارتباك السياسة البريطانية في التعامل مع القاهرة، خاصة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، ووضوح الموقف المصري الحاسم في الدفاع عن أمنه القومي ورفضه لأي ضغوط خارجية.

احتجاج دبلوماسي.. أم ورقة ضغط؟
في لغة العلاقات الدولية، تعليق عمل سفارة يُصنف عادة كـ احتجاج شديد اللهجة من طرف الدولة صاحبة القرار.
لكن في هذه الحالة، يقرأ كثير من المراقبين الخطوة البريطانية باعتبارها محاولة ضغط سياسي لا أكثر، خصوصًا وأن العلاقات بين القاهرة ولندن لم تشهد أزمة مباشرة تستدعي هذا التصعيد.
بل على العكس، يرى محللون أن بريطانيا تعجز عن صياغة موقف متوازن تجاه قضايا الشرق الأوسط، وأنها لا تزال تراهن على أوراق قديمة بالية، منها التقارب مع بعض الجماعات والتنظيمات المشبوهة التي تناهض الدولة المصرية، وهو ما ترفضه القاهرة قطعًا.
مصر ثابتة.. لا تهتز
رد الفعل المصري الرسمي والشعبي على الخطوة البريطانية اتسم بالهدوء والثبات، وكأن الرسالة واضحة:
“من يعلّق سفارته فليتحمل النتائج.. مصر لن تتأثر.”
فمصر ليست تلك الدولة التي يمكن أن تُبتز بقرارات أحادية أو أوراق ضغط سياسية، بل أصبحت لاعبًا أساسيًا في معادلة الاستقرار الإقليمي والدولي.
من يحتاج من؟
من الحقائق الثابتة في العلاقات الدولية أن المصالح الاقتصادية والسياسية متبادلة. وفي هذه المعادلة، تبدو بريطانيا أكثر احتياجًا لمصر، سواء في ملفات الطاقة، أو الأمن الإقليمي، أو حتى العلاقات التجارية. وبالتالي، فإن تعليق عمل السفارة البريطانية قد يكون خسارة دبلوماسية لبريطانيا أكثر من كونه ضغطًا على مصر.
فالقاهرة أثبتت في أكثر من موقف أنها قادرة على الاستغناء عن أي طرف، وأنها تعتمد أولًا وأخيرًا على قوتها الذاتية وتحالفاتها المتعددة.
رسائل إلى الداخل والخارج
يمكن قراءة الخطوة البريطانية في إطار رسائل سياسية موجهة إلى عدة أطراف:
إلى الداخل البريطاني: محاولة لإظهار التشدد تجاه ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر، وهو ملف اعتادت بريطانيا استغلاله.
إلى الجماعات المعادية لمصر: رسالة دعم غير مباشر تؤكد أن لندن لا تزال تراهن عليها، رغم فشلها المتكرر.
إلى مصر: محاولة للضغط والإيحاء بوجود توتر، لكن الرد المصري البارد والواثق حوّل القرار إلى رسالة بلا أثر فعلي.
التداعيات المحتملة
تعليق عمل السفارة قد يلقي بظلاله على العلاقات المصرية – البريطانية، لكنه لن يصل إلى حد القطيعة.
فالعلاقات بين الدول تُبنى على المصالح لا على الانفعالات. ومن المرجح أن تعود لندن عاجلًا أو آجلًا إلى إعادة فتح السفارة واستئناف النشاط، بعدما تدرك أن هذه الخطوة لم تحقق أهدافها.
مصر العظمى.. ووعي المرحلة
القرار البريطاني، مهما كانت خلفياته، لن يغير حقيقة أن مصر اليوم دولة قوية وراسخة، قادرة على حماية أمنها ومصالحها، ولا تعبأ بمحاولات الضغط أو التشويش. مصر التي تتعامل بالندية مع القوى الكبرى، لن تهتز أمام قرار سفارة علّقت عملها، بل على العكس، كشفت هذه الخطوة حجم الارتباك في السياسة البريطانية، مقابل وضوح وثبات في الموقف المصري.

وفي نهاية تعليق عمل السفارة البريطانية بالقاهرة ليس سوى خطوة رمزية محدودة التأثير، لكنها تحمل دلالات مهمة على تغير موازين القوى.

مصر اليوم ليست الدولة التي تنكسر أو تتراجع أمام الضغوط، بل هي رقم صعب في معادلة السياسة الدولية. ومن يظن أنه قادر على الضغط عبر إغلاق سفارة أو تعليق نشاط، سرعان ما سيدرك أن الوقت تغيّر.. ومصر تغيّرت، وأنه “حان الوقت ليعرف الجميع حجمهم الحقيقي أمام مصر العظمى.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock