
الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرض جعل المرض رحمة للطائعين يرفع به درجات المؤمنين في جنات النعيم وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل في كتابه العزيز ” وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ” وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين وتابعي التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد لقد حرص الإسلام بتعاليمه الراقية وشرائعه السامية على تنظيم علاقة الناس بربهم حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة وفي الوقت ذاته شرع الاسلام ما ينظم علاقة الناس بعضهم ببعض حتى تسود الألفة والمحبة في المجتمع المسلم ولا يتحقق ذلك إلا إذا حرص كل فرد من أفراده على مصلحة غيره.
حرصه على مصلحته الشخصية وبذلك ينشأ المجتمع الإسلامي قويّ الروابط، متين الأساس، وفي هذا الحديث النبوي الكريم الذي بين أيدينا اليوم، يقول صلى صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبُ لنفسه ” وهذا الحديث من الأحاديث التي عليها مدار الاسلام، وقال أبو داود السجستاني رحمه الله إنه من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام وقال الفشني رحمه الله إن هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام الموصى بها في قوله تعالى ” واعتصموا بحب الله جميعا ولا تفرقوا ” وقال الجرداني رحمه الله إن هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام، وقوله صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم ” أي الإيمان الكامل، فالنفي هنا للكمال والتمام، وليس نفيا لأصل الإيمان، قال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري لشرح صحيح البخاري.
إن النفي الذى ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم ” هو نفي لكمال الإيمان ونهايته، والمراد لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان وكماله حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وقوله ” ما يحب لنفسه ” أي مثل الذي يحب لنفسه من الخير، ففي رواية الإمام أحمد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتي يحب لأخية ما يحب لنفسه من الخير ” والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، فيأتي أخاه بما يحب أن يؤتى به ويمنع عنه ما يحب أن يمنع عنه من الأذى وينصح له ويجتهد في أداء حقوقه وإحترامه وتقديره والنظر في مصالحه، وأعظم ذلك إن رأى نقصا في دين أخيه اجتهد في إصلاحه، ولا يقدر على هذه الخصلة ويقوى عليها إلا من رزق سلامة الصدر، وكان قلبه خاليا من الغل والغش والحسد.
فمن كان كذلك سره ما سر أخاه، وساءه ما ساء أخاه، قال بعض السلف “أهل المحبة لله نظروا بنور الله، وعطفوا على أهل معاصي الله فمقتوا أعمالهم وعطفوا عليهم ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم وأشفقوا على أبدانهم من النار” ومحبة الخير للغير لا تنافي أن يكره المرء أن يفوقه أحد في الجمال فلا يذم ولا يأثم من كره ذلك، فيا أخي الحبيب ليكن شعارك من الآن “حب الخير للغير” فلن تخسر إن شاء الله، ولتكن واضعا نصب عينيه قول الله تعالى ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” ويتسع معنى الحديث الشريف، ليشمل محبة الخير لغير المسلمين، فيحب لهم أن يمنّ الله عليهم بنعمة الإيمان وأن ينقذهم الله من ظلمات الشرك والعصيان، ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية الترمذي لهذا الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
” وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ” رواه احمد وغيره، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في حب الخير للغير، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر جهدا في نصح الآخرين وإرشادهم إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة، فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله كما أمركم الله في كتابه وقال صلى الله عليه وسلم “من صلى عليّ صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشرا” اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.



