تحتضن المكامن الكربوناتية نسبة كبيرة من الاحتياطي العالمي للهيدروكربونات، إلا أنها تُعد من أكثر أنواع المكامن تعقيدًا من حيث التوصيف البتروفيزيائي. ويرجع هذا التعقيد إلى الطبيعة غير المتجانسة لأنظمة المسام، والتي تتأثر بالبيئة الترسيبية والتغيرات الدياجينية والتأثيرات التركيبية. وغالبًا ما تعجز أدوات التقييم البتروفيزيائي التقليدية عن تمثيل هذا التعقيد بدقة، مما يؤدي إلى زيادة عدم اليقين في تقييم جودة المكمن وسلوكه الديناميكي.
يُعد Nuclear Magnetic Resonance (NMR) من أكثر التقنيات تقدمًا في توصيف أنظمة المسام، نظرًا لاستجابته المباشرة لسلوك الموائع داخل المسام بدلًا من الاعتماد غير المباشر على خواص الصخر. يقدم هذا المقال عرضًا نظريًا متكاملًا لتوصيف نظام المسام في المكامن الكربوناتية باستخدام NMR، مع التركيز على المبادئ الأساسية، والتفسير على مقياس المسام، وربط النتائج بالجيولوجيا الكربوناتية.
1. المقدمة
تختلف المكامن الكربوناتية جذريًا عن المكامن الرملية من حيث البنية المسامية والسلوك البتروفيزيائي. ففي حين ترتبط المسامية والنفاذية في الصخور الرملية غالبًا بالإطار الحبيبي الترسيبي، تُظهر الكربونات ضعفًا واضحًا في هذا الارتباط نتيجة لتعدد أنواع المسام وتنوع أصولها.
تعتمد الطرق البتروفيزيائية التقليدية مثل سجلات المقاومة، والكثافة، والصوتيات على مؤشرات غير مباشرة للمسامية. وعلى الرغم من فعاليتها في الصخور الفتاتية، فإنها تواجه صعوبات كبيرة في الكربونات بسبب التغاير المعدني، وتغير قابلية البلل، وضعف الترابط المسامي. وهنا تبرز أهمية NMR، حيث يقيس مباشرة استجابة الموائع داخل المسام، مما يجعله أداة فريدة لتوصيف أنظمة المسام المعقدة.
2. المبادئ الأساسية لاستجابة NMR في الوسط المسامي
يقيس تسجيل NMR استجابة نوى الهيدروجين في موائع المسام عند تعريضها لمجال مغناطيسي ونبضات تردد لاسلكي. تعتمد عملية استرخاء هذه النوى على تفاعلها مع أسطح المسام والخواص الفيزيائية للموائع.
في الصخور المسامية، تهيمن آليات الاسترخاء السطحي على الاسترخاء الكلي، حيث تتأثر سرعة الاسترخاء بنسبة السطح إلى الحجم داخل المسام. المسام الصغيرة تُظهر استرخاءً سريعًا، بينما تسمح المسام الأكبر بزمن استرخاء أطول.
في المكامن الكربوناتية، حيث تكون أشكال المسام غير منتظمة وخشنة السطح، تعكس استجابة NMR كلًا من حجم المسام وطبيعة سطحها، مما يجعلها مؤشرًا مباشرًا لتعقيد النظام المسامي.
3. تعقيد أنظمة المسام في المكامن الكربوناتية
تتميز أنظمة المسام في الكربونات بتعدد المقاييس والأصول. فالمسامية الأولية غالبًا ما تتعرض لتعديلات دياجينية مثل الإذابة، والتسميت، والدولمة، والتشقق، مما ينتج أنظمة مسامية مركبة.
تشمل الخصائص الرئيسية لأنظمة المسام الكربوناتية:
عدم تجانس شديد على المستويين المجهري والكبيري
ضعف الارتباط بين المسامية والنفاذية
coexistence مسام تخزينية وأخرى مسيطرة على الجريان
تأثير الترابط المسامي على الأداء الديناميكي أكثر من حجم المسام
غالبًا ما تتحكم نسبة صغيرة من المسام المتصلة جيدًا في النفاذية، بينما تسهم مسامية كبيرة في التخزين فقط. وتمكّن NMR من التمييز بين هذه الأنظمة المختلفة.
4. استرخاء NMR وتصنيف المسام في الكربونات
يوفر توزيع أزمنة الاسترخاء في NMR إطارًا مفاهيميًا لتصنيف المسام في المكامن الكربوناتية. وبدلًا من الاعتماد فقط على حجم المسام، يأخذ هذا التصنيف في الاعتبار قابلية حركة الموائع.
يمكن تصنيف أنظمة المسام نظريًا إلى:
مسام تهيمن عليها الموائع المرتبطة، وغالبًا ما ترتبط بالمسامية الدقيقة
مسام ذات موائع مقيدة شعريًا، تخزن الهيدروكربونات دون مساهمة فعالة في الجريان
مسام ذات موائع حرة، تتحكم في النفاذية والسلوك الإنتاجي
يساعد هذا التصنيف في فصل المسامية الفعالة عن غير الفعالة داخل المكمن.
5. الكشف عن المسامية الدقيقة وتفسيرها
تُعد المسامية الدقيقة من أكبر التحديات في توصيف المكامن الكربوناتية. فهي غالبًا غير مرئية للأدوات التقليدية، رغم تأثيرها الكبير على التشبع المائي غير القابل للإنتاج وسعة التخزين.
يتميز NMR بقدرته على رصد المسامية الدقيقة من خلال استجابات استرخاء سريعة، ناتجة عن التفاعل القوي بين الموائع والأسطح المسامية الدقيقة. ويسمح ذلك بالتعامل مع المسامية الدقيقة كنظام مسامي مستقل، بدلًا من اعتبارها ضوضاء في بيانات المسامية الكلية.
6. الترابط المسامي وقابلية حركة الموائع
لا يقيس NMR النفاذية بشكل مباشر، لكنه يوفر فهمًا نظريًا عميقًا للترابط المسامي من خلال مفاهيم حركة الموائع. في المكامن الكربوناتية، قد تكون قابلية الاتصال بين المسام أكثر أهمية من حجمها.
فقد تسهم مسام كبيرة ومعزولة في المسامية دون أن تؤثر على الجريان، بينما تتحكم مسام أصغر ولكنها متصلة جيدًا في الأداء الديناميكي للمكمن. وتساعد استجابة NMR في تمييز هذه الحالات.
7. تأثير قابلية البلل والخواص السطحية
تتميز المكامن الكربوناتية غالبًا بقابلية بلل مختلطة أو زيتية، مما يعقّد تفسير التشبع. تؤثر قابلية البلل مباشرة على آليات الاسترخاء في NMR من خلال تفاعل الموائع مع الأسطح الصخرية.
يتطلب التفسير النظري الدقيق مراعاة:
التغير المكاني في قابلية البلل
اختلاف آليات الاسترخاء بين الماء والزيت
تأثير التركيب الكيميائي للسطح الصخري
إهمال هذه العوامل قد يؤدي إلى سوء تفسير توزيع المسام والموائع.
8. دمج NMR مع النماذج الجيولوجية الكربوناتية
تزداد القيمة التفسيرية لـ NMR عند دمجه مع الفهم الجيولوجي للبيئات الترسيبية والتاريخ الدياجيني. فأنظمة المسام تعكس مباشرة تطور الصخر عبر الزمن.
يمكن ربط استجابات NMR بـ:
النسيج الترسيبي للصخور الكربوناتية
تأثيرات الإذابة والتسميت
دور الشقوق في تعزيز النفاذية
هذا الدمج يحول NMR من مجرد سجل بتروفيزيائي إلى أداة تفسير جيولوجي متقدمة.
9. القيود والتحديات التفسيرية
على الرغم من قوته، يواجه تفسير NMR في الكربونات عدة تحديات نظرية، منها:
تداخل استجابات أنظمة مسامية متعددة
حساسية الاسترخاء للتغيرات الكيميائية السطحية
صعوبة تحديد حدود فاصلة واضحة بين أنواع المسام
لذلك، يجب استخدام NMR كأداة توصيف مسامي، وليس كبديل مباشر لجميع المؤشرات الديناميكية.
الخاتمة
يمثل توصيف نظام المسام باستخدام تسجيلات NMR نقلة نوعية في فهم المكامن الكربوناتية. فبخلاف الأدوات التقليدية، يستجيب NMR مباشرة لسلوك الموائع داخل المسام، مما يسمح بتمييز المسامية التخزينية عن المسامية المتحكمة في الجريان، والكشف عن المسامية الدقيقة، وفهم الترابط المسامي وقابلية البلل.
ومن منظور نظري، يوفر NMR إطارًا متكاملًا لربط البتروفيزياء بالجيولوجيا الكربوناتية، ويسهم في تقليل عدم اليقين في تقييم المكامن. ورغم التحديات التفسيرية، فإن القوة المفاهيمية لـ NMR تجعله أحد الأعمدة الأساسية في توصيف المكامن الكربوناتية المتقدمة وإدارتها.
بقلم د. نبيل سامح
-مدير تطوير الأعمال في شركة نيلكو
-مدرب دولي معتمد في قطاع النفط والغاز
-أستاذ في عدة شركات أكاديمية واستشارية للتدريب، بما في ذلك Enviro Oil وZAD Academy وDeep Horizon، وغيرها
-محاضر في جامعات داخل مصر وخارجها
-مساهم في مقالات قطاع البترول لمجلات
Petrocraft و Petrotoday و غيرها