انتشر فى الأيام الأخيرة جدل واسع بعد مواجهة علنية جمعت عالم الآثار المصرى الشهير زاهى حواس مع صانع المحتوى التاريخى وسيم السيسي خلال إحدى الندوات الثقافية بعدما أثار الأخير فكرة وجود وادى ملوك مفقود وتاريخ خفى للحضارة المصرية وهو ما رفضه حواس بشدة مؤكدا أن ما يقوله السيسي لا يستند إلى أى أساس علمي أو أثرى
المعرفة الدقيقة بتاريخ مصر القديمة جاءت من مصادر أثرية واضحة أهمها لوحة ضخمة لتسجيل أسماء ملوك مصر ما زالت موجودة فى معبد أبيدوس وتضم خراطيش أغلب ملوك مصر منذ فجر التاريخ كما أن المؤرخ المصري مانيتون السمنودى الذي عاش فى القرن الثالث قبل الميلاد وضع تقسيم الأسر الحاكمة فى كتابه تاريخ مصر وهو المرجع الأساسى الذى سار عليه علم المصريات حتى اليوم وجرى تأكيده بحفريات وآثار مادية لا خلاف عليها
ورغم أن ذكر أسماء الملوك المعروفين لا يمنع ظهور أسماء جديدة فى المستقبل مع الاكتشافات إلا أن أي ملك يتم العثور على آثاره لا يخرج عن التسلسل الزمنى والعصور الموثقة ولا يؤسس لتاريخ مواز كما يروج البعض
وبالعودة إلى أصل الضجة فقد اكتشفت مصر فى مارس 2025 مقبرة ملكية مهمة من عصر الانتقال الثاني فى منطقة جبل أنوبيس بأبيدوس فى سوهاج على يد بعثة مشتركة مصرية امريكية إلا أن اسم صاحب المقبرة غير معروف إذ تم محوه من على الجدران وتشير الدلائل إلى أنها تعود لواحد من ملوك أسرة أبيدوس الذين حكموا صعيد مصر وتشبه زخارفها ما وجد في مقبرة الملك سنب كاي
المقبرة تضم غرفة دفن حجرية مغطاة بأقبية من الطوب اللبن ونقوشا للمعبودتين إيزيس ونفتيس إضافة إلى شواهد كتابية كانت تحمل اسم الملك وهي أكبر من أغلب مقابر هذه الأسرة مما يعطي الباحثين فهما أعمق لتطور المقابر الملكية في تلك الفترة ويضيف معلومات جديدة عن تلك السلسلة من الملوك غير المعروفين
بالتزامن مع هذا الكشف ظهرت ورشة كاملة لصناعة الفخار من العصر الروماني في قرية بناويط بسوهاج الأمر الذي عزز الاهتمام الأثري بالمنطقة لكن الاهتمام الأكبر ظل منصبا على المقبرة الملكية لأنها تقدم دليلا علميا مهما على وجود ملوك مفقودين داخل الإطار التاريخي المعروف وليس خارج سياقه كما يلمح البعض
ومع ذلك خرجت في الفترة الأخيرة روايات إعلامية تروى وجود واد آخر للملوك موازي لوادي الملوك بالأقصر وانه يضم ملوكا محظور الكشف عنهم وهي رواية تبناها وسيم السيسي في عدد من لقاءاته مؤكدا أنه يمتلك معلومات لا يستطيع التصريح بها وأن الدولة تخفي هذا السر وهو ما نفاه زاهي حواس تماما خلال الندوة موجها حديثه للسيسي انت تتكلم عن وادي ملوك مفقود والدولة مخبيه وأنا عالم آثار ولا أعرف عنه شيئا ليرد السيسي بأنه ليس متخصصا
ورغم أن السيسي يقدم نفسه على أنه باحث في التاريخ لكنه يكرر في كثير من الأحيان روايات غير مثبتة علميا من بينها حديثه عن استخدام المصريين القدماء للكهرباء وادعاءات عن وجود صيام يشبه رمضان في مصر القديمة ما يجعل محتواه أقرب للخيال منه إلى العلم
علم الآثار لا يقبل التفسيرات غير الموثقة ويعتمد فقط على الأدلة المادية من مقابر ومعابد ونقوش ومن ثم لا يمكن قبول فكرة وادي ملوك مفقود أو تاريخ مخفي بلا دليل لأن ذلك يسمح بالتدليس وخلط الحقائق في بلد تخوض صراعا حقيقيا ضد محاولات سرقة أو تشويه تاريخها
أما حقيقة وجود الأنبياء في مصر فحتى اليوم لا يوجد أي دليل أثري واحد يؤكد وجود أنبياء تركوا آثارا مادية داخل الحضارة المصرية وهذا ما يتفق عليه جميع علماء المصريات مع بقاء الباب مفتوحا للاكتشافات المستقبلية لكن دون فرض روايات غير علمية على تاريخ مصر
وتبقى مصر صاحبة احد اعرق وأغنى الحضارات في العالم بحقائق مدهشة تمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة يكفي فقط دراسة ما هو موجود قبل البحث عن تاريخ غير مثبت أو اختراع أساطير جديدة
وفي النهاية يبقى تاريخ مصر ملكا للأمة المصرية وحمايته مسؤولية علمية وثقافية لا يجب تركها لأصحاب المحتوى الربحي أو صناع الخرافات فالتاريخ يؤخذ من علماء الآثار والمراجع الموثقة لا من قصص بلا سند