وهنا يثور السؤال: ما هو الموقف الشرعي من مثل هذه التصرفات؟ وهل الفرح في الإسلام له حدود وضوابط؟
الإسلام دين الفطرة، لم يمنع الفرح، بل حضّ عليه في حدود الشرع. قال تعالى:
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ (يونس:58).
فالفرح بما أحلّه الله محمود، أما الفرح بما يغضب الله فهو مذموم، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ (القصص:76) أي المتكبرين البطرين الخارجين عن حدود الشرع.
النبي ﷺ أقرّ إعلان الزواج وإظهار الفرح به، فقال:
“أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالدف” (رواه الترمذي).
لكنه ﷺ وضع ضوابط تمنع الانحراف، فقال:
“كل لهو يلهو به ابن آدم باطل، إلا ملاعبة الرجل امرأته، وتأديبه فرسه، ورميه بقوسه” (رواه النسائي).
أي أن الفرح مباح، لكن بشرط ألا يتضمن تبرجًا أو اختلاطًا محرّمًا أو سلوكًا مشينًا.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الحرص على أن تبقى الأفراح في إطارها الشرعي، فكان يمنع المظاهر المبالغ فيها التي تشغل الناس عن صلاتهم أو تثير الفتنة.
أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان يؤكد أن “النكاح سنة، والفرح به عبادة، ما لم يُقترف فيه معصية”.
قال الإمام الشافعي: “أحب إعلان النكاح بما أُبيح من لهوٍ وضربٍ بالدف، ما لم يكن فيه فجور أو معصية”.
وقال الإمام ابن تيمية: “الفرح المشروع هو ما كان بطاعة الله، وأما الفرح بالمعصية فمذموم يجرّ إلى سخط الله”.
وذكر ابن القيم: “الأعياد والأفراح المشروعة رحمة، فإذا انقلبت إلى معصية صارت نقمة”.
كان السلف يفرحون بالزواج بقدر، لا إسراف فيه ولا مجاهرة بمعصية.
وقد أفتى كثير من العلماء المعاصرين أن التعبير عن الفرح مباح ما دام منضبطًا، أما الأفعال الغريبة المستفزة أو المنافية للأدب الشرعي فهي حرام أو مكروهة على الأقل.
الأفراح في الإسلام ليست ساحة للجدل، وإنما مناسبة لبناء أسرة على الطهر والسكينة. فإذا بدأ الزواج بما يغضب الله، فإن البركة قد تُنزع منه. قال ﷺ:
“إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة” (رواه أحمد).
الفرح في ذاته مشروع ومطلوب، لكن إذا اقترن بتصرفات خارجة عن الذوق والشرع، تحوّل إلى فتنة وجدال.
وما حدث من ابنة الطبيبة قد يكون في نظر البعض “حرية شخصية”، لكن الشرع لا يُقاس بالأهواء، وإنما بميزان القرآن والسنة.
فالواجب أن تكون أفراحنا على سنة النبي ﷺ، تُعلن للناس بالمعروف، وتخلو من المنكر، لتبقى مصدر سعادة لا مثار فتنة.