حين تتكلم الأرض: عودة نابرو وقلق الغلاف الجوي في شرق إفريقيا
بقلم الجيوفيزيقي- محمد عربي نصار

بركان يستيقظ من سباته الطويل
على الحافة الشرقية للهضبة الإثيوبية، وبين طيات الأخدود الإفريقي العظيم، عاد بركان نابرو ليظهر مجددًا بعد صمت امتد لقرون. رُصدت مؤخرًا مؤشرات واضحة للنشاط الداخلي، شملت تصاعد حرارة التربة، وانبعاثات غازية بالكبريت، وتسجيل هزات أرضية متتابعة في محيط البركان. هذه العلامات تعكس احتمال إعادة شحن غرفة الماغما تحت السطح، وأن الأرض تتحرك بصمت استعدادًا لحدث جيولوجي قد يحمل تأثيرات واسعة على الغلاف الجوي والبيئة المحيطة.
موقع فريد وبنية جيولوجية استثنائية
يقع نابرو عند نقطة تُعد من أخطر مناطق التفكك القاري في العالم، حيث تتباعد ثلاث صفائح تكتونية: العربية والإفريقية النوبية والصومالية. هذا التباعد يجعل القشرة الأرضية في هذه المنطقة رقيقة وممزقة وعالية النفاذية، ما يسمح بتصاعد الماغما من أعماق الوشاح العلوي مباشرة نحو السطح. الطبقات الصخرية هنا تتكوّن من صخور تراخيتية وريوليتية غنية بالغازات، وهي ذات قابلية عالية لحدوث ثورانات انفجارية مفاجئة بدلًا من الانسيابية الهادئة.
النشاط الجيوفيزيقي الحالي: قراءة في أحشاء الأرض
البيانات الزلزالية المسجلة في الأسابيع الأخيرة تُظهر اهتزازات متكررة بعمق يتراوح بين 6 و10 كيلومترات، وهي أعماق تمثل عادة مواقع غرفة الماغما الرئيسية. زيادة حرارية ملحوظة رُصدت في التربة السطحية حول الفوهة، وظهرت على مستوى الأقمار الصناعية بصمات حرارية Hotspots تُشير إلى تحرك صهاري ساخن تحت السطح. كما تم رصد انبعاثات من ثاني أكسيد الكبريت وهو مؤشر مبكر على اقتراب الماغما من مناطق ضحلة في القشرة الأرضية، مما يعزز فرضية قرب حدوث نشاط بركاني.
كيف تتحول الأرض الخامدة إلى سماء ملبّدة بالرماد؟
في حال حدوث ثوران انفجاري، فإن أول ما ينطلق هو عمود رماد بركاني يتصاعد إلى ارتفاع قد يصل إلى 15 كيلومترًا داخل طبقات الجو العليا. هذا العمود يحمل معه جسيمات دقيقة من الرماد الزجاجي وغازات كبريتية مثل ثاني أكسيد الكبريت الذي يتحول تدريجيًا إلى هباء حمضي ينعكس في صورة “سحابة رمادية كبريتية” ذات تأثيرات مناخية وصحية وجوية واسعة. هذه السحابة تتحرك مع الرياح العليا، وقد تصل إلى سماء اليمن والسعودية وجنوب الجزيرة العربية وربما الخليج العربي، وهو ما يجعل الخطر يتجاوز حدود إثيوبيا.
الآثار الصحية والمناخية المحتملة
الرماد البركاني لا يُرى بسهولة، لكنه قادر على النفاذ إلى الجهاز التنفسي، مسببًا اضطرابات رئوية وتهيّجًا في العيون خاصة لمرضى الحساسية والربو. أما ثاني أكسيد الكبريت فيتحول إلى قطرات حمضية دقيقة قد تؤثر على الجلد والعينين وتتسبب في أمطار حمضية خفيفة في حال اختلاطه ببخار الماء. من الناحية المناخية، قد تؤدي هذه الغازات إلى انخفاض طفيف في درجات الحرارة نتيجة حجب جزء من أشعة الشمس، وهو ما لوحظ بعد ثوران نابرو عام 2011.
تهديد هادئ للزراعة والمياه
عندما يترسب الرماد البركاني على الأوراق، فإنه يحجب الضوء ويعطّل عملية البناء الضوئي، ويؤثر على المحاصيل الحساسة كالقمح والخضروات والأعلاف. كما يمكن أن يخفض درجة حموضة التربة مؤقتًا، ويغيّر من خصائص المياه المكشوفة إذا تساقط عليها الرماد، ما يستدعي معالجة إضافية قبل استخدامها للري أو الشرب. الحيوانات أيضًا قد تتضرر من تنفس الرماد أو تناول علف ملوث به، وهو خطر حقيقي في المناطق الزراعية المكشوفة.
وعي لا فزع: كيف نتعامل مع التأثيرات المحتملة؟
الوقاية تبدأ بالمتابعة الدقيقة للمصادر الرسمية البيئية والجيولوجية. عند رصد عبور سحب رمادية أو تحذيرات بيئية، ينصح بإغلاق النوافذ بإحكام، واستخدام الكمامات من فئة N95، وتغطية خزانات المياه، وحماية المزروعات الحساسة بالأغطية المؤقتة حين يتوقع تساقط الرماد. أما الطيران، فمهمته معروفة: تعديل المسارات الجوية وتجنّب السحب البركانية، لأن الرماد هو العدو الأول لمحركات الطائرات النفاثة.
الخاتمة
ما يجري داخل الهضبة الإثيوبية اليوم ليس مجرد اضطراب أرضي عابر، بل رسالة من الأرض تُعيد تذكيرنا بأن الكوكب حيّ، يتنفس، ويثور، ويتكلم بلغته الخاصة. وبينما تتحرك الصفائح وتنشط الصهارة تحت السطح، يظل التحدي الحقيقي ليس في التنبؤ بالبراكين، بل في الاستعداد لها وفهم آثارها. فحين تتكلم الأرض، ينبغي أن نصغي بعين العلم لا بعين الخوف.



