مقالات وآراء

حين لا تحمي الأسوار أصحابها… العدل وحده هو الحصن

بقلم: محمود سعيدبرغش

 

على مرّ الزمان، ظنّ الحكّام أن الحجارة أصدق من القيم، وأن الأسوار أعلى من العدالة، وأن القلاع قادرة على حماية ما عجزت الأخلاق عن حمايته. فشُيّدت المدن، وأُقيمت الحصون، وارتفعت القصور، بينما بقي الإنسان خارج الأسوار وحيدًا، مثقلًا بالفقر والغلاء والظلم.

في زمنٍ مضى، كانت قوتان عظيمتان تحكمان العالم: الروم والفرس.

مدنهم محاطة بأسوار شاهقة، وقلاع يُضرب بها المثل في المنعة. ومع ذلك، سقطت تلك المدن واحدة تلو الأخرى في أيدي الجيش الإسلامي، لا لأن المسلمين امتلكوا أسوارًا أعلى، بل لأنهم حملوا قيمًا أعدل.

العدل قبل السور يضع القرآن الكريم قاعدة لا تقبل الجدل:

> ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾

فالخراب لا يبدأ من خارج الأسوار، بل من داخل النفوس، حين يتحول الحاكم إلى سيّد، والشعب إلى أرقام.

دولة بلا أسوار… لكنها محصّنة حين طلب أحد الولاة من الخليفة عمر بن عبد العزيز الإذن ببناء سور حول مدينته، لم يرسل له حجارة ولا أموالًا، بل أرسل له كلمة خالدة:

> «حصّنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم»

م يُعرف عن عمر بن عبد العزيز أنه بنى القلاع، لكنه بنى دولة لم يعرف التاريخ لها مثيلًا في النزاهة، حتى قيل إن الزكاة فاضت ولم تجد من يأخذها.

بغداد… حين خان السور أصحابه بنى أبو جعفر المنصور بغداد بأسوار عظيمة، وقلاع منيعة، وخزائن تفيض ذهبًا. لكن حين انفصل الحكم عن العدل، وحين عاش القصر في ترف، وترك الشعب يئن، لم تصمد الأسوار أمام التتار.

سقطت بغداد، وقُتل الخليفة، وانتهى عصر العباسيين، لا لأن السور كان ضعيفًا، بل لأن العدل كان غائبًا.

شهادة العلماء قال ابن تيمية قولًا صار قاعدة في علم السياسة الشرعية:

> «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة»

وقال ابن القيم: «العدل أساس الملك»

ليست هذه أقوال وعّاظ، بل قوانين تاريخ.

سور الصين… أعظم شاهد حتى سور الصين العظيم، أطول وأعظم سور في التاريخ، لم يمنع سقوط السلالات الحاكمة، ولم يحمِ الظلم من نهايته. فالأسوار تؤجل السقوط، لكنها لا تمنعه.

حين تُحاصر الشعوب لا المدن المأساة الحقيقية ليست في بناء القصور، بل في أن تُبنى القصور بينما:

الأسعار تحاصر الناس الفقر يطارد البيوت والعدالة تُترك خارج الأسوار

قال رسول الله ﷺ:

> «اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»

لم تسقط أمة لأن سورها كان قصيرًا،

بل سقطت لأن الظلم كان عاليًا.

التاريخ، والشرع، وتجارب البشر جميعًا تقول كلمة واحدة: العدل هو الحصن الوحيد الذي لا يُهدم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock