حين يرهقنا العطاء: العلاقات التي تستهلك من روحنا أكثر مما تمنحنا
المعالج النفسي - فاطمة الصغير

هناك نوعٌ من العلاقات لا يُنهيه الصراخ أو الأزمات، بل الاستنزاف الهادئ.
نبدأها بنيةٍ صافية في العطاء، في الدعم، في الاحتواء… ثم بمرور الوقت نصحو لندرك أننا أصبحنا “نُفرغ” أكثر مما “نُمتلئ”، وأن ميزان العلاقة يميل دائماً في اتجاهٍ واحد.
العطاء في جوهره قيمة إنسانية عظيمة، لكنه يفقد معناه حين يتحوّل إلى استنزاف دائم.
حين نصبح دائمًا الطرف الذي يُعطى، يُصلح، يُبرر، يُهدّئ، ويُضحي، بينما الطرف الآخر اعتاد الأخذ بلا وعيٍ أو امتنان.
العلاقات الصحية ليست ميدان تضحية، بل مساحة تبادل.
كل علاقة تحتاج إلى “تيارٍ متبادل” من الأخذ والعطاء، لا أن يسير التيار في اتجاهٍ واحد حتى يُرهق صاحبه. فالإرهاق لا يأتي من كثرة الحب، بل من غياب التوازن فيه.
أحيانًا، نُرهق لأننا نحاول إنقاذ من لا يريد، أو نُرضي من لا يرضى، أو نزرع في أرضٍ لا تُنبت امتنانًا. حينها نظن أن الحل في “المزيد من العطاء”، بينما الحقيقة أن الحل هو “التوقف قليلًا” لإعادة النظر:
هل ما نفعله حبٌّ… أم خوفٌ من الفقد؟
العطاء الحقيقي لا يُلغينا، بل يُنمّينا. أن تمنح وأنت في وعيك، ومتصل بنفسك، لا أن تُنفق من روحك حتى تجفّ.
فالمحبة التي تُرهقك أكثر مما تُبهجك، تحتاج مراجعة لا مبررات.
حتى لا يرهقك العطاء… تذكّر:
1. لا تُعطِ أكثر مما تستطيع تحمّله، فالعطاء بلا حدود يُنهك النفس.
2. امنح وقتًا للراحة وإعادة الشحن، فالقلب المتعب لا يستطيع أن يُحب جيدًا.
3. نفسك أولى بالعطاء وامتنان والاستحقاق فابدأ بها قبل الآخرين.
4. توقف عندما تشعر أن عطاءك لم يعد نابعًا من حب، بل من خوفٍ أو واجب.
5. وأخيراً لاحظ إن كان عطاؤك يُقابَل بالتقدير والامتنان أم بالتوقع والاعتياد، فالتقدير يُبقي الحب، والاستحقاق يُبقيك أنت.
دومتم بصحة نفسية جيدة… تمنحون من حبكم دون أن تُهدروا أنفسكم



