
في لحظات التحوّل الكبرى التي تمر بها الأوطان، لا يُقاس التقدم فقط بما تُنجزه الحكومات، ولا بما تقدّمه المؤسسات، بل بما يمتلكه الشعب من وعي يدرك به معنى الدولة، ومعنى أن يكون مسؤولًا عن قراره ومستقبله.
فالاستحقاقات الوطنية — كيفما كانت — ليست مجرد حدث عابر، بل امتحان لمدى إدراك الناس لقيمة الوطن، وقدرتهم على التمييز بين الحقيقة والضجيج، وبين البناء والفوضى.
لقد أصبح المواطن المصري اليوم أكثر وعيًا مما مضى؛
يقرأ المشهد بعينه قبل أذنه، ويحلّل قبل أن يصدّق، ويقارن بين ما يُطرح وما يُنجز، وبين من يعمل ومن يكتفي بالظهور.
وهذا الوعي هو الذي يصنع الفرق… هو الذي يحدد اتجاه المستقبل… وهو الذي يمنح الدولة قوة لا تُقاس بالسلاح، بل بالعقول.
إن الوطن اليوم بحاجة إلى عقل هادئ يرى ما وراء السطور…
إلى مواطن يدافع عن حقه دون أن يهدم، ويطالب دون أن يساوم، ويشارك في القرار لا من أجل أشخاص، بل من أجل وطن يعيش فيه أبناؤه بكرامة وأمان.
نحن في زمن لا يكفي فيه الحماس وحده، بل يحتاج إلى بصيرة.
وزمن لا تنفع فيه الشعارات، بل تنفع فيه خطط واعية تقرأ التحديات وتدرك ما يواجهه الوطن من ضغوط إقليمية ودولية.
زمن يتطلب أن يكون كل فرد في هذا الشعب صوتًا للعقل، ويدًا للبناء، وقلبًا للانتماء.
ولذلك…
فإن المشاركة الواعية — أيا كان شكلها — ليست تأييدًا لأحد، بل هي إعلان بأن المواطن شريك أصيل في صنع مستقبله، وأن الوطن ملك للجميع، لا لطرف ضد آخر ولا لفكرة على حساب أخرى.
البلاد لا تُبنى بالصوت العالي… بل بالوعي العالي.
ولا تنهض بالحشد اللحظي… بل بالإرادة المستمرة.
ولا تستقر بالخوف… بل بالثقة التي يولدها الفهم الصحيح للأحداث.
إن مصر — بتاريخها وثقلها — ليست أرضًا عابرة، ولا وطنًا يمكن أن يُختزل في أشخاص أو مواقف.
هي فكرة… ووجود… ومسؤولية.
فإذا انتصر الوعي، انتصر الوطن.
تحيا مصر… بالوعي، لا بالضجيج.



