
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى وأشهد أن لا إله إلا الله أعطى كل شيء خلقه ثم هدى لا تحصى نعمه عدا ولا نطيق لها شكرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى والخليل المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن على النهج اقتفى وسلم تسليما كثيرا ثم ما بعد في ظل الظروف القاسية والملتهبة التي تعيشها المنطقة فإن هناك سؤالا وهو كيف نحدث التغيير؟ وتحت هذا العنوان تندرج عناوين فرعية، منها سعة ميادين التغيير وضرورته بالنسبة للناس، وينبغي علينا تأكيد هذه الجزئية من كون الأمة اليوم أمة ضعيفة مغلوبة، فإذا كنا نريد أن نكون أمة قوية غالبة، فيجب أن نحدث التغيير في حالنا، فنتخلى عن أسباب الضعف والهزيمة ونأخذ بأسباب القوة والغلبة، ونعلم أن التغيير لا بد أن يكون شاملا في موضوعه وشاملا في أصحابه.
فهو تغيير يشمل الحياة كلها، ويشمل الأفراد والدول، وكما ينبغي علينا التركيز على ما يستطيع المخاطبون إحداثه من تغيير على المستوى الشخصي وعلى المحيط، وبيان الوسائل لذلك مع مراعاة واقعية التغيير فلا نريد مثاليات، وكما ينبغي علينا أن نعلم حقيقة النصر حيث يتبادر إلى الذهن عند أول وهلة أن النصر يعني نصر للأمة جميعا أو نصرا على الأرض بفتح أراض أو طرد محتل، ويجدر بنا أن نبين للناس في مثل هذه الأزمات سعة مفهوم النصر، وأن له في الشرع معنى أوسع، بل وأهم وهو نصر المبادئ، وإن مات أصحابها، وهو أن النصر الأخروي أعظم، وهو الفوز برضا الله تعالي، كما أن هزيمة الآخرة أعظم، وهي حقوق سخط الله على الإنسان، وقد يحقق الفرد النصر وإن كانت أمته مهزومة بأنواع هزائم الدنيا، وذلك حتى يخرج منها والله عز وجل راضي عنه.
فيفوز بنصر الآخرة وهو أعظم وأحسن، وقد تلحق الهزيمة الفرد وإن كانت أمته منصورة بأنواع النصر الدنيوي، وذلك إذا خرج من الدنيا والله تعالي ساخط عليه، فتناله هزيمة الآخرة وهي أشد وأنكى، فعلينا جميعا أن نبين ونركز على النصر الذي لا يعذر أحد بتفويته، والهزيمة التي لا يعذر أحد بالوقوع فيها، وهذا مناسب جدا في ظل هذا الوقت الذي تتوالى فيه هزائم الدنيا على المسلمين، وذكرت المصادر الكثير عن الحروب وما تصنعة من دمار وخراب في البلدان، ومن منظور علم الاجتماع، تخلق الحروب هياكل إجتماعية يمكنها إدامة الضرر النفسي عبر الأجيال المتعاقبة، حيث يساهم فقدان أفراد الأسرة والنزوح والإضطرابات الإجتماعية في التحولات، في المعايير والقيم المجتمعية بأُثر الصدمة، مما يخلق بيئة تزدهر فيها الأمراض النفسية جراء الفقد والحرمان.
وإن تأثير ذلك على الأجيال ملحوظ حيث لا يتوقف هذا التأثير على الفعل نفسه، ولكنه يتوسع ليشمل كل أنماط الحياة الاجتماعية تقريبا، من الثقافة الشعبية والفنون والكتابة والتأليف، فالحروب تؤدي إلى كوارث إنسانية مثل القتل وتدمير الأرواح والممتلكات، ونزوح السكان وكثرة أعداد اللاجئين، وتؤدي إلى تفتت المجتمع وتقويض بنيته الإجتماعية، ونشر آفات متعددة مثل عدم احترام القانون، ويمكن أن يؤدي إنهيار الهياكل الإجتماعية أثناء الصراعات إلى زيادة الأمراض النفسية كنتيجة طبيعية للشعور باليأس والحرمان، وهي ظواهر موثقة جيدا في الدراسات، مثل تلك التي أجراها المؤرخ وعالم الإجتماع الأمريكي تشارلز تيلي الذي إستكشف التداعيات الإجتماعية للحرب في كتابه “الإكراه والرأسمالية والدول الأوروبية”
فضلا عن ذلك فإن الضغوط التي تفرضها إعادة بناء المجتمعات المتضررة من جراء الحرب قد تؤدي إلى نشوء نفسية جماعية تعمل على إدامة دورات العنف، فلا تنتهي الحرب بمجرد سكون الرصاص والمدافع، بل يمكن إستدعاؤها في أية لحظة، بمجرد إحياء مشاعرها وسياقاتها، فالصراعات لا تنتهي مثلما نظن، بل إن عواقبها تعيد تشكيل المعايير والتقاليد الإجتماعية والمبادئ الإنسانية، وتمتد العواقب إلى ما هو أبعد كثيرا من أولئك المتورطين بشكل مباشر، فقد تصبح ثقافات بأكملها غارقة في عقلية البقاء على قيد الحياة، حيث ترث الأجيال القادمة الأعباء العاطفية والنفسية التي تحمّلها أسلافهم من فرط التقليد والتعاطف مع الآباء
والأجداد.



