يتردد في ذهني وفكري منذ زمن المثل الشعبي:
«دقة بدقة ولو زدت لزاد السقّا».
ليس مجرد كلمات محفوظة، بل درس في الحياة، لكل ظالم، وكل معتدٍ، وكل متغطرس، فكما تدين تُدان، وكما تفعل يُفعل بك، ولو بعد حين.
ما نزرعه اليوم نحصد ثماره غدًا أو بعده؛ إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًا فشر.
قوانين بسيطة، لكنها صارمة.
“لكل” صاحب عمل لا يؤتي الأجير حقه، وينسى أن العرق إذا جف يظل دينًا على رقبته.
“لكل” مغتاب يأكل لحم أخيه ميتًا، ناسياً أن لكل فعل أثر، وأن للناس أعينًا، وللأيام دول.
“لكل” من يكسر خاطر غيره بكلمة قاسية أو تصرّف مسيء؛ فالجِراح لا تُقاس بحجمها، بل بمدى أثرها.
“لكل” من يفرح بسقوط غيره، ويظن أن النجاة فردية، ناسياً أن القدر حين يأتي لا يخطئ العنوان.
ويروي المثل قصة رجل تاجر ارتكب خطأً في حق سيدة غريبة، تجاوز فيه حدود الأدب وأمسك بذراعها.
فقالت له المرأة: «اتق الله».
فاستغفر الرجل وانصرف فورًا، مدركًا خطأه؛ لكن الأحداث لم تنتهِ هنا؛ إذ يكتشف لاحقًا أن السقّاء الذي يوصل الماء إلى منزله قد أخطأ هو الآخر في حق زوجته بنفس مقدار الخطأ الذي ارتكبه مع المرأة الغريبة.
حينها قال التاجر مقولته الشهيرة:
«دقة بدقة… ولو زدت لزاد السقّا».
وأدرك الرجل أن الجزاء من جنس العمل، وأن تصرفه هو الذي أدى إلى تصرف السقّاء.
فالمثل في جوهره يحمل معنى واضحًا ورسالة لكل إنسان، وأن لكل فعل رد فعل، ومن ظلم يُظلم ولو بعد حين.
فلنراجع أنفسنا قبل أن نحاسب غيرنا، فكل دقّة محسوبة، وكل دقّة مكتوبة، وكل دقّة مردودة، إن كانت حقًّا رُفِعَت، وإن كانت ظلمًا وُقِفَت.
هذا المثل ليس مجرد حكاية، بل تذكير دائم بأن كل تصرف، صغيرًا كان أم كبيرًا، له أثر، وأن العدل الإلهي حاضر دائمًا.
فلنحرص على أن تكون دقّاتنا خيرًا قبل أن تعود إلينا، ولنسعَ دائمًا إلى إصلاح أنفسنا قبل محاسبة الآخرين.