يطلّ علينا شهر رجب، أحد الأشهر الحرم، شاهقًا في مكانته الروحية ومهيبًا في فضائله، حاملاً معه نفحاتٍ تعيد ترتيب القلوب، وتوقظ في النفس معاني الطاعة واليقظة الروحية. هو شهرٌ يسبق رمضان المبارك، فيعدّ القلب لاستقبال أيام الرحمة والمغفرة، ويهيئ الروح لتكون على أتم الاستعداد لاغتنام الخير الذي تتسابق فيه النفوس.
في رجب، تتجلى فضائل الأعمال الصالحة، وتزداد قيمة الدعاء، وتتضاعف حسنات الصدقات، إذ هو شهرٌ يُثاب فيه الإنسان على الثبات على الطاعات، ويُكرم فيه على مراجعة النفس وتنقية النية، ومحاسبة القلب قبل البدن، والعمل قبل القول. ومن أدرك رجب بحق، شعر بعظمة الوقت، وارتقى بوجدانه إلى مستويات من التقوى والإخلاص، تدفعه لأن يسعى في كل يوم فيه بما يرضي الله ويقربه من رحمته.
إن اغتنام هذا الشهر، بالوعي والإخلاص والتفكر، يمنح الإنسان القدرة على استثمار ما تبقى من عمره في الخير، ويزرع في قلبه مشاعر الثبات والصبر، ويذكّره بأن كل وقتٍ مضى لن يعود، وأن كل لحظةٍ في هذه الحياة أمانةٌ تستحق أن تُقدّم في سبيل الحق والخير. فلتكن أيام رجب فرصةً لتجديد العهد مع الله، ولتصبح النفوس أكثر يقظة، ولتستقبل القلوب رمضان بالخشوع والمحبة، مُحصّنة بالإيمان والوعي، مستعدةً لغرس الخير في كل لحظة من عمرها.