مقالات وآراء

رسالة مفتوحة إلى الدولة والجمعيات الخيرية والأفراد

بقلم د-كامل النحاس

لم تعد قضية التسول فقرا يتم التعامل معه بتعاطف وشفقة بل تحول إلى فوضى تفرض نفسها على المجتمع وتسيء للدولة وتشوه صورتها أمام مواطنيها وزائريها

في زوايا الشوارع المزدحمة وعند إشارات المرور وعلى أبواب المساجد وفى الأسواق وفى كل مكان لم يعد المار آمنًا في طريقه ولا السائق في سيارته ولا المتعبد في لحظة سكونه
أيد تمد بإلحاح وأجساد تقترب بجرأة وأصوات تلاحق الناس بحق الله مرة وبالشفقة مرة وبالاستعطاف المصطنع مرات

ولا يقتصر هذا المشهد على المواطن وحده بل يمتد ليطارد السائح القادم بحثا عن الجمال والطمأنينة فيستقبل بالإلحاح بدل الترحيب وبالمطاردة بدل الأمان وبالابتزاز العاطفي بدل الصورة الحضارية التي يفترض أن تعكسها الدولة

بعضهم يرتدي أثمالا بالية قذرة وبعضهم يبرز إعاقته الحقيقية أو المفتعلة وكثيرون أصحاء أشداء يلبسون لباسا عاديا أو أنيقا
نساء في عمر الزهور وعلى لياقة ظاهرة يتخفين خلف نقاب وشباب مفتولو العضلات بل وأحيانا من يبدو في هيئة ميسور أو وجيه
المشهد واحد إلحاح لا يترك مساحة للاعتذار ولا فرصة للانسحاب ولا احتراما لخصوصية الإنسان مواطنا كان أو سائحا

وهكذا يتحول الفضاء العام إلى مشهد طارد وتتحول الشوارع والمناطق السياحية إلى ساحات مضايقة فيغادر السائح بانطباع سلبي لا عن المتسول وحده بل عن الدولة كلها وعن قدرتها على ضبط المجال العام وصيانة كرامة الإنسان على أرضها.

من ضرورة عارضة إلى مهنة منظمة

لو كان الأمر تسول ضرورة عابرة يقضي بها الإنسان حاجته ثم ينصرف لهان الخطب
لكن الواقع أفظع

كثير من هؤلاء لم يعودوا فقراء طارئين بل محترفين
ترى أحدهم طفلا على الناصية ثم شابا ثم شيخا في المكان نفسه لعشرات السنين
بعضهم كوّن أرصدة وامتلك عقارات واتخذ السؤال موردا دائما وكأنه في إعارة مفتوحة لا تنتهي

وهنا لا نتحدث عن فقر يرحم بل عن سلوك يفسد
يفسد قيمة العمل ويشوه معنى الصدقة ويزاحم حق الفقير الحقيقي ويضرب صورة البلد في الخارج ويحول السياحة من مورد وطني إلى تجربة منفرة

الرؤية الشرعية الأصل تحريم السؤال

تنطلق هذه الرسالة من ميزان شرعي واضح لا لبس فيه ولا غموض ولا ارتباك

الأصل في التسول التحريم لا الإباحة

لأن السؤال كسر للنفس وإهدار للكرامة وتكسب بغير حق وإشاعة للكسل وتعطيل لواجب السعي وإضرار بالمجتمع وصورته العامة
وما حرمه الشرع صيانة للكرامة يجب ان ترفضه الدول صيانة لهيبتها

حديث نبوي شريف
إن المسألة لا تحل إلا لثلاث لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع

وهذا الحديث قاعدة تشريعية حاكمة حصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم جواز السؤال في ثلاث حالات فقط
وما عداها فالسؤال محرم شرعا ولو رفع باسم الحاجة أو غلف بالدين أو مورس أمام السائحين بدعوى أن البلد سياحية

السنة النبوية محاربة التعطل لا تكريس السؤال

جاءت السنة لتغلق باب الذل لا لتفتحه
حين جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم صدقة وهو قوى قادر على العمل لم يعطه النبى دراهم تستهلك بل أعطاه وسيلة كسب وقال له

حديث نبوي شريف
اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوما

وهذا توجيه صريح يرفض البطالة ويؤكد أن العمل هو الطريق الوحيد لصيانة الكرامة وأن تحويل الشوارع إلى منصات سؤال خصوصا أمام الزائرين خيانة لمعنى الاستخلاف وصورة المجتمع المسلم

التسول المقنع تشويه مزدوج

بيع المناديل والولاعات والأقلام التافهة في المناطق الحيوية والسياحية ليس تجارة بل تسول متنكر
وهو تشويه مزدوج
تشويه لمعنى العمل وتشويه لصورة البلد أمام زائريها

فالسائح لا يرى فقرا بقدر ما يرى فوضى ولا يتعاطف بقدر ما ينفر ولا يحمل صورة إنسانية بقدر ما يغادر بانطباع سلبي دائم

المتعففون الغائبون عن الصورة

وفي مقابل هذا الضجيج تعيش أسر لا تظهر ولا ترى ولا تقتحم أحدا

آية قرآنية
يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا

هؤلاء أولى بالمال وأجدر بالحماية لكنهم يضيعون بين فوضى السؤال وغياب الضبط

مسؤولية لا تقبل التأجيل

الدولة مطالبة بالحسم حماية لكرامة الإنسان وصورة الوطن وسمعته السياحية وراحة مواطنيها وإيصال الصدقة لأهلها.

والجمعيات الخيرية مطالبة بالتحقق لا الانسياق

والأفراد مطالبون بفهم أن العطاء بلا وعي قد يسيء إلى بلدهم قبل أن يسيء إلى الفقير ويضع الحق فى غير أهله.
الآية قطعية فى أن الزكاة والصدقة لها أصحاب يجب ايصالها إليهم
والذين فى اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم .
والسائل دائرته ضيقة محصورة كما ذكرنا .
وقول الله تعالى:
إنما الصدقات للفقراء والمساكين…..
واى إهدار للصدقة ووضعها فى غير مكانها الصحيح هو خيانة لمستحقيها واعتداء على حقهم.

خاتمة

التسول المحترف لا يسيء للفقراء ويزعج المواطن والسائح فقط
بل يسيء للدولة
ويشوه صورتها أمام العالم
ويحول شوارعها من واجهة حضارية إلى مشهد طارد

ومحاربته ليست قسوة
بل واجب شرعي ومسؤولية وطنية وحماية لسمعة البلد وكرامته
وأي تهاون بعد اليوم هو شراكة في الإثم وتواطؤ مع الفوضى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock