مقالات وآراء

رمضان بين روحانيات الإيمان وسلوكيات الخداع

كتب أشرف ماهر ضلع
من المؤسف أنَّ كثيرًا من المسلمين يربطون – جهلًا أو خطأً – بين قدوم شهر رمضان الكريم والاستمتاع بملذَّات الطعام والشراب. فما إن تقترب أيَّامه المباركة حتى يُسارع هؤلاء إلى الأسواق، يشترون منها كلَّ ما طالتْه أيديهم، غير ملتفتين إلى حاجتهم الحقيقية أو حاجة الفقراء والمساكين من أبناء المسلمين. وهكذا يصبح ما يُميِّز رمضان عند هؤلاء هو تكدّس الثلاجات وامتلاء الموائد يوميًّا، استجابةً للدعايات التي تبثها العديد من شركات ومصانع المواد الغذائية، التي تسعى بكلِّ جهدها إلى الترويج لسلعها، على حساب ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلمين في هذا الشهر الفضيل.
إنَّ رمضان فرصة عظيمة لتكثير العبادات وإحداث التغيير، كما أنه يتطلب نظامًا غذائيًّا متوازنًا قائمًا على الثقافة الغذائية الصحية، بحيث يتمكَّن الصائم من تحقيق التوازن بين صحة الجسد ونقاء الروح، مما يساعده على أداء واجباته العملية والعبادية على أكمل وجه، دون إحساس بالإرهاق أو التعب.
ولم يكتفِ هؤلاء بجعل رمضان شهر الأكل والشرب، بل انساقوا – بفهمهم المغلوط، ونفوسهم الضعيفة، وتأثير الإعلام الذي لا يستهدف سوى الإفساد وإلهاء المسلمين – خلف الأفلام والمسلسلات والبرامج التافهة، التي أُعدّت طَوال العام، لتكون فتنة يصعب مقاومتها بعد أن تلبَّست أثوابًا خادعة وماكرة. فتارةً تأتي باسم التاريخ، وتارةً باسم الثقافة، وتارةً باسم الترفيه البريء الذي لا يشغل عن ذكر الله، لكنها في كلِّ مرة تُبعد المتابعين لها خطوةً خطوةً عن طريق الله، حتى يصبحوا أسرى لها، غير قادرين على الفكاك.
ثم تمرُّ اللحظات، وينقضي الشهر الكريم، وقد ضاع في نظرٍ محرَّم، ولهوٍ محرم، وتقصير في العبادة، وإهمالٍ لواجبات تحتاج إلى أكثر مما مُنِحْنا من أوقات. وبلا وعي، يكتشف هؤلاء المخدوعون أنهم لم يُضيّعوا فرصة رمضان فحسب – وهي خسارة كبيرة قد لا تُعوَّض – بل أهدروا أموالهم في البذخ والإسراف، دون التفات إلى مستقبلهم. يقول الله تعالى: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (الإسراء: 29).
وفوق ذلك، ربما خرجوا من رمضان مرضى ومعلولين، حيث لم يشغلوا بالهم إلا بمِلْء بطونهم وحشوها، دون مراعاة لطاقتهم أو التزام بحدود قدراتهم الجسدية، أو حتى اتباع وصايا الرسول ﷺ وسنته في الطعام والشراب، إذ قال: “ما مَلأَ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ، بحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإن كان لا محالةَ، فثُلُثٌ لطعامِه، وثُلُثٌ لشرابِه، وثُلُثٌ لنفَسِه”.
فلنُحسن استغلال هذا الشهر العظيم، ولنبتعد عن العادات التي تحرِمنا من بركاته، ولنجعل رمضان محطةً للتغيير الحقيقي، لا موسمًا للاستهلاك واللهو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock