
الحمد لله العليم الخبير، السميع البصير، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، لا إله إلا هو إليه المصير، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الكبير، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ذوي الفضل الكبير، ثم أما بعد جاء في المصادر الإسلامية أنه ينبغي عليك أن تستعن بالله ولا تعجز حيث قال النبي صلي الله عليه وسلم ” المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف” وإن هذه الوصية الغالية من أعمق الوصايا النبوية في علاج التفكير السلبي، فهو يضع بين يدي المؤمن منهجا عمليا يحول الذهن من دائرة الشكوى إلى دائرة المبادرة، فالقوة “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير”
ليست قوة البدن فحسب، بل قوة الإرادة والعقل والروح، قوة ترفض الإستسلام للأوهام، وتبني رؤية إيجابية ترى في كل موقف فرصة للنهضة لا سببا للإنكماش، وكلمة “احرص” توقظ العزيمة، وتوجه العقل نحو تتبع أبواب النفع بدل الدوران في فلك الإحباط والتردد، والحرص هنا ليس عاطفة عابرة، بل حركة واعية نحو كل ما يبني علما أو يحقق طاعة أو يصلح حياة، ثم تأتي “استعن بالله” لتعيد ترتيب الداخل، وتغرس في القلب الثقة بأن العون الحقيقي لا ينقطع ما دام الإنسان متوجها إلى ربه، وأن الفكر الإيجابي لا يستمد طاقته من الظروف وحدها، بل من سند إلهي يثبت الخطى ويقوي الإرادة، أما قوله “ولا تعجز” فهو ضربة قاصمة لجذور التفكير السلبي إذ يقطع الطريق على التردد والإنسحاب الداخلي، ويعيد تشكيل النظرة إلى الأزمات بإعتبارها محطات إصلاح.
لا معابر إنهزام، فالعجز يبدأ فكرة، ثم يتحوّل شعورا، ثم يغدو عادة، فجاء النهي النبوي لمواجهته في مهده، وهكذا يجمع هذا الحديث الشريف بين الرؤية الصحيحة، والسعي الجاد، والإتكال على الله، والبعد عن السلبية ليصنع قلبا رابط الجأش، وعقلا متزنا، ونفسا تعرف كيف تتعامل مع تحديات الحياة بإيجابية ووعي، وكما جاء في المصادر الإسلامية أن هناك نصيحة عظيمة تقول ” لا تغضب ” وهي من توجيهاته النبي صلى الله عليه وسلم التي تعيد بناء الداخل وتواجه الإنفعال السلبي، حيث روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم أوصني، قال ” لا تغضب ” فردد مرارا، قال ” لا تغضب ” رواه البخاري، فهذا النهي ليس مجرد ضبط إنفعال، بل منع لإنفجار سلسلة من المشاعر والتصرفات السلبية التي قد تجرّ على الإنسان ندما طويلا.
وفي هذا إشارة واضحة إلى أن إدارة النفس باب عظيم من أبواب التفكير الإيجابي، ويقول الإمام النووي فلم يزده في الوصية على لا تغضب مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه، ويقول شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني وقال بعض العلماء خلق الله الغضب من النار وجعله غريزة في الإنسان، فمهما قصد أو نوزع في غرض ما إشتعلت نار الغضب، وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من الدم لأن البشرة تحكي لون ما وراءها، وهذا إذا غضب على من دونه وإستشعر القدرة عليه، وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفر اللون حزنا، وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض وإنبساط فيحمر ويصفر، ويترتب على الغضب تغير الظاهر والباطن، كتغير اللون والرعدة في الأطراف.
وخروج الأفعال عن غير ترتيب، وإستحالة الخلقة، حتى لو رأى الغضبان نفسه في حال غضبه لكان غضبه حياء من قبح صورته وإستحالة خلقته، هذا كله في الظاهر، وأما الباطن فقبحه أشد من الظاهر لأنه يولد الحقد في القلب والحسد وإضمار السوء على إختلاف أنواعه، بل أولى شيء يقبح منه باطنه، وتغير ظاهره ثمرة تغير باطنه، وهذا كله أثره في الجسد، وأما أثره في اللسان فإنطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب، ويظهر أثر الغضب أيضا في الفعل بالضرب أو القتل، وإن فات ذلك بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوب نفسه ويلطم خدّه، وربما سقط صريعا، وربما أغمي عليه، وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة، ومن تأمل هذه المفاسد عرف مقدار ما إشتملت عليه هذه الكلمة اللطيفة.
من قوله صلى الله عليه وسلم “لا تغضب” من الحكمة وإستجلاب المصلحة في درء المفسدة مما يتعذر إحصاؤه والوقوف على نهايته، فهذه معاني نبوية تربي الإنسان على أن يكون متقد الروح، قوي الإرادة، حاضر العزم، متوجها إلى الله تعالى دائما بطلب العون والمدد، مستعيذا به من كل ما يثقل قلبه أو يعيق تقدمه، وهكذا تبني السنة في المؤمن عقلية الإرتقاء، لا عقلية الإنكماش عقلية السعي لا عقلية الإستسلام.



