في لحظة لا يمكن وصفها إلا بأنها عودة صادقة إلى الجذور وإلى قلب الموسيقى المصرية التي صاغت وجدان شعب كامل، تكشف النجمة سيمون في منشورها الأخير عن زيارة خاصة إلى منزل رمز الموسيقى الخالدة سيد درويش في شبرا، وهي زيارة حملت بين تفاصيلها مشاعر ممتزجة بالحنين والدهشة والدفء، بعدما وجدت نفسها داخل المكان الذي شهد ولادة ألحان غيرت شكل الفن، وداخل غرفة احتضنت العود الذي صنع به سيد درويش تاريخًا لا يمحوه الزمن، لتقدم سيمون لجمهورها لحظة نادرة لا تتكرر، وتجعل المتابع يشعر وكأنه يقف معها في نفس المساحة التي ترك فيها سيد درويش بصمته الأولى.
تصف النجمة سيمون يومها داخل المنزل العتيق في شبرا وكأنه رحلة زمنية عادت بها إلى أوائل القرن الماضي، حيث كانت تقف في كل زاوية وكأنها ترى سيد درويش بنفسه وهو يصوغ مقطعًا موسيقيًا جديدًا أو يضع جملة لحنية غيّرت تاريخ الطرب، وتقول في منشورها بوضوح إن اللحظة كانت تحمل شيئًا من الرهبة، لأن الوقوف في المكان نفسه الذي وقفت فيه عبقرية فنية بحجم سيد درويش ليس أمرًا عاديًا، بل تجربة تنقل صاحبها إلى عالم آخر وتربط بين زمنين، وتجعل الفنان يشعر أن الإبداع ليس مجرد صوت أو لحن، بل هو تاريخ يسكن الجدران وينتقل عبر الأجيال.
وفي واحدة من اللحظات التي وصفتها سيمون بأنها الأكثر شاعرية في يومها، كشفت عن وقوفها أمام العود الخاص بسيد درويش، وهو العود الذي شهد على ميلاد أعمال خالدة ما زالت تُدرّس وتُغنّى حتى اليوم، حيث رأت سيمون في هذا العود قطعة من الزمن، وآلة ليست كباقي الآلات، بل مرآة لروح فنان لم يكن يقدم أغنية بل كان يقدم مشروع نهضة فنية كاملة، وقد شعرت عند رؤيته بأن العود نفسه يحتفظ بصدًى من نغماته الأولى، وأن مجرد لمس أوتاره – حتى دون عزف – يُحدث أثرًا نفسيًا يجعل الفنان يدرك معنى التاريخ الحقيقي للفن المصري.
وفي أثناء جولتها داخل المنزل، لم تستطع سيمون مقاومة غناء واحدة من أهم الأغنيات التي قدمها سيد درويش، وهي أغنية “شد الحزام”، التي تحمل بين كلماتها روح النضال الشعبي وقوة المصريين في مواجهة المحن، وقد كانت اللحظة مؤثرة لأنها لم تكن مجرد غناء، بل كانت إعادة إحياء لكلمات خرجت من قلب سيد درويش لتعبر عن روح الشعب، لتجد نفسها اليوم تتردد مرة أخرى داخل منزله بعد عقود طويلة، وكأن الزمن يعود إلى الوراء دقيقة واحدة ليشهد حوارًا صامتًا بين موسيقى الماضي وصوت الحاضر.
لكن المفاجأة التي لم تتوقعها سيمون – والتي جعلت زيارتها يومًا لا يُنسى – كانت مشاركة ابن سيد درويش لها الغناء، حيث التقت به داخل المنزل، وتبادل معها ذكريات والده، وروى لها ما لم يُكتب في الكتب عن شخصية الفنان العبقري وكيف كانت حياته الخاصة جزءًا من تكوينه الموسيقي، ثم وقف معها ليغنيا معًا، في مشهد يحمل دفئًا شديدًا ومعنى إنسانيًا يصعب وصفه، لأن أن يغني فنّان من هذا الجيل مع ابن عبقري قدّم لمصر ميراثًا موسيقيًا لا يقدَّر بثمن، هو لحظة تحمل تواصلاً بين جيلين، وتحمل تقديرًا أصيلًا لفن لا يزال حيًا مهما مضت السنوات.
وفي نهاية المنشور، تكتب سيمون عبارة قصيرة “يوم جميل”، لكنها في الحقيقة تختصر تفاصيل يومٍ يحمل قيمة فنية وأخلاقية وتاريخية أكبر بكثير من مجرد زيارة، يوم جعلها تشعر أن الفن لا يموت، وأن أصوات الكبار تظل حاضرة في كل زائر يقف أمام أعمالهم، وأن منازل الفنانين العظماء ليست مجرد مبانٍ، بل منارات تُذكّر كل فنان بأن الفن مسؤولية وتاريخ ورسالة، وأن كل لحن أو كلمة قد تصنع ذاكرة لأمة، ولذلك بدا اليوم جميلًا من النوع الذي يبقى في القلب، لا لأنه ممتع، بل لأنه يحمل إحساسًا نابعًا من الجذور.
يأتي منشور النجمة سيمون في وقت يبحث فيه الجمهور عن لحظات صادقة تعيدهم إلى روح الفن المصري الأصيل، ولذلك أحدث المنشور ضجة إيجابية لأنه يذكّر الجميع بأن خلف كل أغنية نسمعها اليوم تاريخًا طويلًا بدأ من هنا، من بيت بسيط في شبرا، ومن عود بسيط صنع موسيقى غيرت مصر والعالم العربي، كما رأى الجمهور في منشور سيمون احترامًا كبيرًا للتراث ووعيًا بأهمية الاحتفاظ به، فالمشهد لم يكن زيارة عابرة لمكان أثري، بل كان لقاء بين فنانة تؤمن بقيمة الفن وبين إرث فنان أسّس مدرسة موسيقية عملاقة.
في نهاية هذا الانفراد، يبقى واضحًا أن سيمون لم تذهب إلى منزل سيد درويش كفنانة تزور بيت رمز من رموز الطرب، بل ذهبت كقلب يريد أن يلمس جذور الفن، وكعين تُفتّش عن المعنى الحقيقي للأغنية المصرية التي صنعت وعيًا وذاكرة شعب كامل، وأن اللحظة التي عاشتها داخل هذا المنزل كانت بمثابة اتصال روحي بين زمنين، بين تاريخ لا يغيب وحاضر يظل يبحث عن جذوره ليكمل الطريق، ولذلك سيبقى هذا اليوم علامة مهمة في مسيرة سيمون، وسيبقى منشورها واحدًا من أجمل الرسائل التي تُذكّرنا بأن الفن المصري الحقيقي يبدأ من هنا… من بيت سيد درويش.