فن وثقافة

سيمون توجه رسالة استثنائية إلى فيروز وتكشف عن عمق إنساني وروحاني يصعب تكراره

عمر ماهر

فى انفراد خاص يعكس الدرجة الرفيعة من الرقي والوعي والبصيرة اللى بتميز النجمة سيمون، خرجت الفنانة الهادئة ذات الحضور النادر بمنشور مختلف، منشور أقرب لقصيدة قصيرة مكتوبة بقلب واعٍ وروح تعرف قيمة الفن، وقدمت من خلاله رسالة عميقة للنجمة الكبيرة فيروز، رسالة ما كانتش مجرد تهنئة، لكنها حالة فنية وروحانية تليق بقامة من قامات الزمن الجميل. منشور سيمون ما كانش مجرد كلمات، لكنه انعكاس لطريقة تفكير ناضجة بتعرف تفرّق بين الضجيج وبين القيمة، وبين الشهرة وبين القامات اللى بتعيش في وجدان الناس مهما مر الزمن، وده اللى خلّى رسالتها لفيروز تبدو كأنها احتفال بنور بيضوي على أجيال كاملة.

سيمون بدأت رسالتها بكلمة “فيروز… المنارة”، وهي كلمة مش عابرة إطلاقًا، لأن المنارة مش بس نور، لكنها رمز للهداية والثبات والاستمرارية، وده معنى بيدل على قدرة سيمون على قراءة القيمة الحقيقية للفنان اللى بيفضل صوته وحضوره منور رغم مرور الزمن، وكأنها بتشوف فى فيروز صورة الفنان اللى مش بينطفئ، واللى بيعيش فى ذاكرة الشعوب كلها، وده اللى خلى المنشور ياخد شكل رسالة محبة وتقدير تتجاوز حدود الفن وتلمس حدود الروح.

وقدّمت سيمون بعد كده واحد من أهم المعاني اللى بتؤمن بيها فى حياتها الفنية وهو الاحترام، احترام الفنان لنفسه ولقيمته وكرامته، وقالت إن هذا الاحترام بلغ أقصى درجاته عند فيروز، وكأنها بتشير لدرس مهم فى الحياة: الفنان الحقيقي مش اللى بيغني ويظهر بس، لكن اللى بيحافظ على قيمة اسمه، واللى بيخلّي العالم كله يشهد بقدره وقدره، وده اللى جعل تعبيرها يحمل قوة كبيرة رغم بساطته. الطريقة اللى صاغت بيها سيمون كلماتها بتكشف عقل إنسان بيقرأ الفن بأسلوب إنساني، وبيشوف إن الاستمرار مش بييجي من كثرة الظهور، لكن من نقاء الحضور.

ثم انتقلت سيمون، فى منشورها، لواحد من أجمل تعريفات الفن الإنساني لما قالت إن فيروز غنّت للمدن والدول، وغنّت لمصر وللإسكندرية، وغنّت لمكة وأهلها الصيدا، وغنّت للقدس بـ “يا زهرة المدائن”، وغنّت لعمان، وغنّت لبغداد “بغداد والشعراء والصور”، وللبنان فى “بحبك يا لبنان يا وطني بحبك”، وكأن سيمون بتعيد تذكير العالم كله إن فيروز مش صوت بلد واحد، ولا صوت منطقة، لكنها رمز إنساني غنّى للروح العربية كلها، بل للإنسان ذاته، وده فى حد ذاته فلسفة كبيرة: إن الفنان الحقيقي بيقدر يوصل لوجدان البشرية كلها ويتجاوز كل الحواجز.

وتظهر هنا لمسة سيمون الروحانية الواضحة، لأنها بتشوف الفن كرسالة سلام ومحبة بين الشعوب، وده انعكس فى اختيارها لقائمة الأغاني اللى ذكرتها، أغاني كلها بتمثل ذاكرة جماعية لأماكن وثقافات ولحظات عاشتها أجيال، وكأنها بتقول إن صوت فيروز كان جسر بين المدن، وإن الفن لما يكون صادق بيجمع ولا يفرّق، بيبني ولا يهدم، وده معنى راق جدًا يوضح شخصية سيمون وتفكيرها الفلسفي اللى دايمًا بيميل للإنسانية قبل أي شيء.

وبعد ما أعادت سيمون إحياء ذاكرة أغاني فيروز، ختمت المنشور بجملة ملخصة عمق الرسالة: “صوت وحضور لا يتكرر في جميع أغانيها… إنها فيروز المحترمة… نحتفل بالقامات وهم معنا.”
وده التعبير اللى بيكشف قناعتها الأساسية: إن احترام القامات لازم يكون وهم موجودين، مش مجرد بكاء على الأطلال، وإن الفنان الحقيقي يستحق الاحتفاء طول ما حضوره ثابت وحيّ ومؤثر. الجملة دى تحديدًا تكشف جانب روحاني فى شخصية سيمون، لأنها بتشوف الفن كحالة ممتدة، وإن قيمة الإنسان مش فى غيابه لكن فى أثره اللى بيعيش.

وبين كل هذه السطور، تظهر سيمون كفنانة صاحبة رؤية، بتحب الفن النضيف، وبتعرف تردد كلمة الحق بسلاسة وبدون مبالغة، وبتعرف تحتفل بالرموز الحقيقية اللى فعلاً أثّرت فى حياتنا ووعينا، وده بيخلي منشورها مش مجرد تحية لفيروز، لكنه رسالة للجيل كله عن معنى الاحترام، معنى الفن، معنى الثبات، ومعنى القامات اللى يعيش نورها مهما تغيّر الزمن.

وبكده، يتحول المنشور اللى كتبته سيمون لقطعة فنية قائمة بذاتها، قطعة فيها روح، وفيها فلسفة، وفيها رسالة، وفيها تقدير لقيمة فنية عظيمة، وفيها كمان كشف لعمق شخصية سيمون اللى عرفت تحتفل بفيروز بطريقة تليق بيها وتليق بتاريخها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock