فن وثقافة

سيمون… رحلة النور الداخلي بين البصيرة والبحث عن المعنى

الكاتب والناقد الفني عمر ماهر

في لحظة تأمل نادرة، خرجت النجمة سيمون بكلمات بسيطة لكنها محمّلة بأعمق ما يمكن أن يحمله الفكر الإنساني من فلسفة ووعي، حين قالت: «اكتشفت أن كل إنسان بيشوف الأشياء بعيون قلبه، لو قلبه نظيف بيقيم الأشياء بما يليق، ولو تنظير يبقى شيطان قلبه هو اللي بيوجهه».

هذه العبارة، رغم قِصرها، تكشف عن عقل ناضج وروح عارفة تدرك أن البصيرة لا تأتي من العين، بل من القلب، وأن رؤية الإنسان للعالم ما هي إلا انعكاس لحالته الداخلية وصدق نيّته ونقاء سريرته.

سيمون هنا لا تتحدث كفنانة فقط، بل كإنسانة وصلت إلى مرحلة من النضج تجعلها تزن الأمور بميزان الروح، لا بسطحية المظهر أو صخب الدنيا.

إنها فلسفة عميقة تتقاطع مع مفاهيم روحية كثيرة، تؤمن بأن الإنسان حين يصفو قلبه يرى الحقيقة كما هي، بلا زيف ولا أوهام، بينما الملوّث بالأنانية والغرور لا يرى إلا ظلال الشيطان في مرآة نفسه.

وكأنها تقول لنا: «مش مهم تشوف بإيه، المهم تشوف بإيه جواك»، لأن البصيرة الحقيقية لا تتعلق بالنظر، بل بالإحساس النقي الذي يسكن الداخل.

ما قالته سيمون يعيدنا إلى الجذور الأولى للفهم الإنساني، إلى تلك اللحظة التي يبحث فيها الإنسان عن ذاته قبل أن يبحث عن الآخرين.
عبارة «الإنسان يبحث عن المعنى» التي ختمت بها رسالتها، ليست مجرد هاشتاج عابر، بل هي عنوان فلسفة كاملة يعيشها كل إنسان في رحلته نحو الحقيقة.
المعنى هنا ليس في الشهرة ولا في المال ولا في الزهو، بل في الفهم… الفهم الحقيقي لما وراء الأحداث، لما بين السطور، لما يسكن خلف الوجوه.
فكل تجربة نمر بها هي درس، وكل ألم نحمله في صدورنا هو باب يُفتح على وعيٍ جديد إن كنا مستعدين أن نراه بعيون القلب لا بعيون الحكم المسبق.
تبدو سيمون في منشورها وكأنها دخلت مرحلة صفاء روحي نادر، مرحلة لا يعود فيها الإنسان مشغولًا بالمظاهر، بل بالجوهر، لا بما يُقال عنه، بل بما يقوله ضميره لنفسه حين يسكن الليل.
وربما هذا ما يميزها منذ بدايتها الفنية وحتى اليوم؛ فبين زحام الأضواء وضجيج الشهرة، كانت دائمًا مختلفة، تسير بخطى ثابتة خلف يقينها، لا تُساق بالموضة الفكرية ولا بموجة التصنع، بل بروح فنانة تعرف معنى الجمال الحقيقي، جمال الصدق والبساطة والإيمان بالخير.
في كلماتها أيضًا نَفَس تأملي يجعلنا نراجع أنفسنا، فحين تقول إن الإنسان النظيف القلب يقيم الأشياء بما يليق، فهي تضع معيارًا غير مكتوب للحكم على الأمور: معيار الضمير.
فما أكثر من يتحدثون بالحق وهم بعيدون عنه، وما أكثر من يتظاهرون بالفضيلة بينما بداخلهم ظلمة لم يواجهوها بعد.
سيمون بكلماتها لا تدين أحدًا، بل تدعو كل إنسان للنظر داخل نفسه، لأننا حين نصفي قلوبنا نرى الوجود أجمل، ونفهم الآخرين من منطلق التعاطف لا النقد، ومن زاوية الحب لا الغيرة.
أما الجزء الأكثر فلسفية في منشورها، فهو حين ربطت بين «النظرة الداخلية» و«الشيطان الذي يوجّه القلب» في حال الفساد.
فهي لا تتحدث عن مخلوق غيبي بقدر ما تشير إلى المعنى الرمزي: أن الشر ليس في الخارج، بل في داخل الإنسان حين يسمح له أن يتحكم في رؤيته.
وهنا تكمن قوة المعنى… فالشيطان الذي تذكره ليس شخصية أسطورية، بل رمز لكل لحظة ضعف، لكل طاقة سلبية تلوث القلب وتُفقده صفاءه. وكأنها تحذرنا من أنفسنا قبل أن نحذر العالم من حولنا.
تلك الجملة التي بدت في ظاهرها «بوست» عادي على السوشيال ميديا، تتحول عند التأمل إلى مرآة مفتوحة على الذات البشرية.
سيمون لا تقدم درسًا دينيًا ولا موعظة مباشرة، بل تبعث رسالة عميقة لكل من فقد توازنه وسط دوامة الحياة. إنها تقول ببساطة: إذا أردت أن ترى الخير في العالم، طهّر قلبك أولًا، لأن القلب هو العدسة التي ترى بها الحياة، وكل ما حولك يتشكل وفق ما بداخلك.
ومع أن سيمون تُعرف بفنها الرقيق وحضورها الهادئ، إلا أن كلماتها الأخيرة تُظهر جانبًا آخر منها، جانب الفيلسوف الذي يسكن الفنان.
فهي لا تكتفي بالتعبير الفني، بل تستخدم اللغة كأداة بحث عن الحقيقة، عن النور الذي يربط الإنسان بجوهره.
ومن هنا يأتي سحرها، فهي لا تكرر ما يقوله الآخرون، بل تصنع لغتها الخاصة، لغة الوعي النقي التي تلامس القلوب بهدوء دون ضجيج.
إن ما كتبته سيمون ليس مجرد تأمل عابر، بل إعلان عن نضوج فكري وروحي يندر أن نراه في زمن تتسارع فيه الأحكام وتغيب فيه البصيرة.
إنها دعوة للتأمل، للعودة إلى الداخل، لفهم أن المعنى لا يُمنح بل يُكتشف، وأن أجمل ما يمكن أن يمتلكه الإنسان هو قلب صادق يرى بعين الحب لا بعين الخوف.

وفي النهاية، يبقى صوت سيمون مختلفًا، لأنها لا تتحدث من برجٍ عالٍ، بل من تجربة حياة مليئة بالبحث والتأمل والمراجعة.

كأنها تقول لكل من يقرأها: «مش لازم تكون فنان عشان تفهم الجمال، لكن لازم تكون إنسان بقلب نظيف عشان تشوفه».

تلك هي سيمون… فنانة الرؤية والبصيرة، التي ما زالت تؤمن أن المعنى الحقيقي للحياة يبدأ من الداخل، من تلك اللحظة التي يرى فيها الإنسان الأشياء بعيون قلبه فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock