فن وثقافة

شدوا الفيشة”.. رسالة رامي وحيد عن قيمة البساطة وسط زمن الإبهار الزائف

الكاتب والناقد الفني عمر ماهر

في منشور بسيط لكنه عميق حمل الكثير من الدلالات الإنسانية والفكرية، اختار النجم رامي وحيد أن يشارك جمهوره على مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات تبدو للوهلة الأولى عادية ومباشرة، لكنها في حقيقتها تعكس نضجًا شديدًا ورؤية أكثر عمقًا للحياة والتعامل مع الذات والآخرين.

كتب رامي وحيد قائلاً: “كبرت وفهمت إن الكلام الفاضي من الإبهار والأهمية مش عيب ولا هيقلل من البني آدم اللي بيقوله، لأنك مش هتقدر تقول كلام مبهر ومهم دايمًا، في ناس بتحبنا زي ما إحنا وعلى طبيعتنا، مش لازم نكون دايمًا جامدين أوي، مش هبهرك.. شدوا الفيشة بلاش كلام فاضي 😃“.

هذه الجملة المركزة اختصرت رحلة وعي مر بها الفنان حتى وصل إلى هذه القناعة، رحلة ربما يمر بها الكثيرون في لحظة ما، حين يدركون أن البساطة قد تكون أكثر صدقًا وعمقًا من أي محاولات للتكلف أو الإبهار.

الحقيقة أن كلمات رامي وحيد تفتح بابًا مهمًا للنقاش حول طبيعة الإنسان في مواجهة المجتمع وضغطاته.

ففي زمن أصبح فيه الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي مقياسًا وهميًا للأهمية، يسعى الكثيرون لتقديم أنفسهم بشكل مبهر، يختارون الصور الأجمل، الكلمات الأذكى، والمواقف الأكثر جذبًا، حتى ولو كان ذلك على حساب حقيقتهم وراحتهم الداخلية.

غير أن ما طرحه رامي وحيد يختلف تمامًا؛ فهو يعلن ببساطة أن الإنسان ليس مطالبًا أن يكون في كل لحظة مثاليًا أو مدهشًا، لأن الحياة لا تُقاس بالاستعراض وإنما بالصدق، والناس الحقيقيون هم الذين يظلون بجوارك سواء أبهرتهم أم لا، لأنهم يرون قيمتك في جوهرك وليس في مظهرك.

في هذا المنشور تتجلى فلسفة التوازن بين البساطة والصدق من ناحية، وبين الصورة الاجتماعية التي يحاول كل فرد أن يحافظ عليها من ناحية أخرى.
لقد أدرك رامي أن محاولة الإبهار الدائم تستنزف الروح وتضع الإنسان في سباق لا ينتهي مع توقعات الآخرين، بينما التحرر من هذا العبء يتيح فرصة للتنفس والعيش بسلام داخلي، دون الحاجة لإقناع العالم كل يوم أنك “مبهر” أو “مميز”.
وهنا يظهر ذكاء الفنان حين استخدم عبارة خفيفة الظل “شدوا الفيشة بلاش كلام فاضي”، فهي ليست مجرد دعابة، بل دعوة عملية للتوقف عن المبالغة في السعي وراء إعجاب الآخرين، وكأنها نصيحة عامة لكل من يشعر أنه عالق في دائرة الاستعراض المستمر.
ما يميز هذا الطرح أيضًا هو كونه صادرًا من شخصية فنية عاشت وتعيش تحت الأضواء، حيث التوقعات دائمًا أعلى من المعتاد، والجمهور يطالب النجم بأن يكون حاضرًا بوجه مشرق، وحديث مقنع، وإطلالة مبهرة، لكن رامي وحيد في هذه اللحظة اختار أن يكون “إنسانًا” قبل أن يكون “فنانًا”.
هذه النقطة تعطي قيمة مضاعفة للمنشور، لأنها تكسر القاعدة المعتادة بأن الفنان يجب أن يحافظ على صورة براقة طوال الوقت، بل تثبت أن الاعتراف بالبساطة هو جزء من النضج والقوة، وليس علامة ضعف.
ولعل من أبرز الرسائل التي يمكن استخلاصها من حديثه أن الإنسان لا يُقاس بما يقوله من كلمات رنانة، بل بمدى صدقه مع نفسه ومع الآخرين.
قد تبهرك جملة منمقة أو خطاب بليغ، لكنها سرعان ما تُنسى إذا لم تحمل معنى حقيقيًا، بينما كلمة بسيطة صادقة قد تبقى محفورة في الذاكرة لسنوات.
وهكذا يضعنا رامي وحيد أمام مرآة صريحة: هل نسعى فعلًا لأن نكون “نحن” أم نلهث وراء صورة مثالية يفرضها المجتمع؟
إن هذه الرؤية تكتسب أهميتها في وقتنا الحالي، حيث يعيش الكثيرون صراعًا بين ما هم عليه فعلًا وما يريدون أن يظهروا به للآخرين.
وبهذا المنشور، ربما يكون رامي قد أرسل رسالة طمأنة غير مباشرة لكل من يعانون من هذا التناقض، مفادها: “كن كما أنت، الناس التي تحبك ستظل بجانبك، ولن تحتاج لتصطنع أو تبالغ حتى تكسب رضاهم”.
إنها رسالة إنسانية قبل أن تكون مجرد خواطر شخصية، وتصلح لتكون درسًا عمليًا في التعايش مع الذات.

في النهاية، يمكن القول إن ما كتبه رامي وحيد لم يكن مجرد “منشور عابر”، بل أشبه بإعلان موقف من الحياة نفسها، موقف يختصر فلسفة مفادها أن البساطة والصدق أكثر بقاءً من الزيف والاستعراض.

وربما هذا ما جعله يختتم كلماته بابتسامة مرسومة برمز تعبيري، وكأنه يريد أن يؤكد أن كل هذه الأفكار العميقة يمكن التعبير عنها بروح مرحة لا تخلو من الدعابة، ليظل حديثه قريبًا من القلب، سهلًا في معناه، وعميقًا في رسالته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock