
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل أبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، ثم أما بعد لقد أكثر الحق سبحانه وتعالي من ذكر العقل ومشتقاته في القرآن الكريم، إذ ورد نحو تسع وأربعين مرة بصيغ متعددة تؤكد قيمة التفكير، ونبل التدبر، وشرف إعمال النظر، ولم يقف الخطاب الإلهي عند هذا الحد، بل دعم المعنى بذكر ألفاظ أخرى تعاضد وظيفة العقل وتغذيها، مثل التفكر، والتذكر والنظر والبصيرة والألباب ونحو ذلك وكلها إشارات قرآنية. متتابعة
تبرز أن صناعة العقل الواعي ليست أمرا ثانويا في الدين، بل هي جزء أصيل من بناء الإنسان المؤمن، وشرط لازم للإرتقاء بالمجتمع والإصلاح والقيام بأمانة الإستخلاف في الأرض، وعاب على أناس منحهم الله العقل وأدوات التدبر والفهم واستنباط الحكمة، ومع ذلك لم يستخدموه فيما خلق له، ولنقتبس لك أمثلة من القرآن الكريم على ذلك، قال تعالى ” أفلا تعقلون ” وكما يقول تعالي ” ويريكم آياته لعلكم تعقلون ” ويقول الإمام الزجاج ” ألا ترى أن الله يقول ” أفلا يتدبرون القرآن ” فحضضنا على التدبر والنظر، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب اللغة وهي معاني القرآن وإعرابه، ويقول حجة الإسلام الإمام الغزالي الله تعالى خلق العقول وكمل هداها بالوحي، وأمر أربابها بالنظر في مخلوقاته، والتفكر والإعتبار مما أودعه من العجائب في مصنوعاته.
لقوله سبحانه ” قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ” وكما قال تعالي ” وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ” إلى غير ذلك من الآيات البينات والدلالات الواضحات التي يفهمها متدبرها، واعلموا يرحمكم الله أن المسلم الفطن يعلم أن الحياة فرصة فلابد أن تغتنم، وساعة مواتية فلا يصح أن تضيع هباء، وأن هناك فرصا لا يمكن تعويضها، فمن هذه الفرص العظيمة، هي وجود الوالدين، فالوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فحافظ على الباب أو ضيعه، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال “رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل من يا رسول الله؟ قال مَن أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة” رواه مسلم ، فيا حسرة مَن مات والداه أو أحدهما ولم يغتنم فرصة برهما، فإن رضا الرب عز وجل في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين.
واعلموا يرحمكم الله كما جاء في المصادر الإسلامية إن الهمم العالية كنوز غالية يمتن بها المنان على من يشاء من بني الإنسان، فطوبى لمن أولاه مولاه تلك الهمة العالية والعزيمة الوثابة والإرادة الماضية، فما آفة المحق إلا التردد والتذبذب والتخاذل والفتور والرضى بتوافه الأشياء ومحقرات الأمور، ومن أبرز خصائص الإسلام دعوته إلى إعمال العقل والإنفتاح على خبرات البشرية، ذلك لأنه دين عقلي، فإذا أعمل الإنسان عقله، وفكر بمنطق سليم فسوف يكتشف الحقيقة، وهي أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له حيث يقول تعالي ” إنما يخشي الله من عبادة العلماء ” فوحدة الكون، ووحدة القوانين العلمية كلها تشهد بوحدانية الله سبحانه، حيث يقول الله تعالي في سورة الأنبياء ” لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ” وقد إستدل القرآن الكريم بهذه الآية وغيرها.
من وحدة الكون على وحدة الإله، كما إستدل بوحدة الإله على وحدة القوانين واستمرارها فيقول تعالي ” ولن تجد لسنة الله تبديلا ” ويدعو الإسلام إلى التفاعل مع الخبرات الإنسانية المختلفة من أجل الإستفادة بما يوجد فيها من خير، ومن أجل تقويم ما يوجد فيها من إعوجاج حتى ينتشر دين الله تعالي ويعم الأرض كلها، فاللهم توفنا وأنت راضي عنا، اللهم انصر المجاهدين المسلمين الموحدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واحشرنا يوم القيامة في زمرة نبينا ولواء حبيبنا يا رب العالمين.



