مقالات وآراء

عيد النــصر في بورســــــعيد

لواء دكتور/ سمير فرج

أكد اللواء سمير فرج أن شعب بورسعيد يوم الثلاثاء الماضي يحتفل بعيده القومي، يوم 23 ديسمبر، والذي كانت مصر تحتفل به كل عام بعيد النصر. وبدعوة من السيد اللواء محب حبشي، محافظ بورسعيد، لحضور الاحتفال، في مدينتي الباسلة بورسعيد بهذا العيد العظيم.

واشاراللواء سمير فرج لن أصف سعادتي بالحضور في بلدي بورسعيد الجميلة، التي وُلدت وعشت فيها أجمل أيام عمري، حيث شمل الاحتفال عديد من الافتتاحيات وأعمال التطوير الجديدة التي أسعدت شعب بورسعيد، اتذكر ذلك اليوم 23 ديسمبر عام 1956، عندما خرجت الجيوش الإنجليزية والفرنسية في انسحابها المهين من بلدنا بورسعيد، بعد أن فشل العدوان الثلاثي على مصر. ويومها دخلت طلائع الجيش المصري إلى بورسعيد يوم 23 ديسمبر.

وقال اللواء سمير فرج ويومها أتذكر، وأنا طفل صغير، عندما اندفعت مع جموع شعب بورسعيد لتحية طلائع الجيش المصري، وأتذكر أنني في ذلك اليوم أقسمت أن ألتحق بالكلية الحربية، وأن أكون ضابطًا يدافع عن بلدي مصر الحبيبة.

من جانبه….ومن يومها أصبح يوم 23 ديسمبر من كل عام احتفال مصر وبورسعيد بعيدها القومي، بحضور الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان يحتفل مع شعبها، حين يمر بالسيارة المكشوفة في شوارع المدينة، بعدها يتوجه إلى ميدان الشهداء ليشهد طابور العرض العسكري. وكنت أقف أشاهد هذا الطابور، وانا أحيي أبناء جيشي أثناء مرورهم في العرض.

وتمر الأيام، والتحقت بالكلية الحربية، وتخرجت ضابطًا في الجيش المصري. وفي أول عيد للنصر، جاءت الأوامر الى الكتيبة لتعيين ضابط يحمل علم مصر في طابور عيد النصر ببورسعيد أمام الرئيس جمال عبد الناصر. وبالطبع تم اختياري، لأنني ابن بورسعيد، لحمل العلم في طابور العرض.

ولم أصدق نفسي، هل سأذهب إلى مدينتي الجميلة وأحمل علم مصر في هذا الاحتفال؟ وبالفعل ذهبت، ويومها كانت أسعد لحظات حياتي وأنا اسير في طابور العرض احمل علم مصر امام الرئيس عبد الناصر، أسمع هتافات أبناء بورسعيد بينما كنت منذ سنوات سابقة أقف مع جموع هذا الشعب أصفق لأبناء الجيش.

ولقد كان احتفال هذا العام رائعًا، حيث افتتح السيد اللواء محب حبشي محافظ بورسعيد النشيط، ومعه ضيوفه الكرام، العديد من الافتتاحات لتطوير مدينة بورسعيد وبورفؤاد. ولكني لم أنسَ، وأنا أطوف مدينتي يوم الثلاثاء، بكل تفاصيل، العدوان الثلاثي على بورسعيد عام 1956، عندما أمّم عبد الناصر قناة السويس.

وحينها قرر البريطانيون والفرنسيون الهجوم على بورسعيد لاحتلال القناة، بعدما اتفقا مع إسرائيل على الهجوم على سيناء قبلها، لتبرير هجومهما الغاشم على بورسعيد بحجة حماية قناة السويس. بينما، في الحقيقة، كانت بريطانيا تستهدف السيطرة مرة أخرى على المناطق المحيطة بالقناة، تلك السيطرة التي فقدتها بعد توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954. أما فرنسا، فكان هدفها الأساسي من العدوان على مصر الانتقام من عبد الناصر بسبب مساندته لثورة الجزائر، مع أهمية استعادة إدارة القناة بما تمثله من شريان ملاحي عالمي.

وبناءً على معاهدة سيفر، قامت إسرائيل ليلة 29 أكتوبر 1956 بمهاجمة سيناء، وهبطت مظلاتها في عمق سيناء، فاشتبكت معها القوات المصرية. وعلى الفور، وتنفيذًا للخطة، أصدرت فرنسا وإنجلترا إنذارًا لمصر وإسرائيل بوقف القتال، وطلبت من الجانبين الانسحاب لمسافة عشرة كيلومترات من القناة، لما يمثله قتالهما من تهديد للملاحة في قناة السويس. فرفضت مصر ذلك الإنذار وما يمثله من تدخل في شؤونها الداخلية.

فاستيقظنا في الصباح الباكر من اليوم التالي، على هجوم إنجلترا وفرنسا على مدينة بورسعيد. ورغم صغر سني حينها، إلا أنني أتذكر بدقة تفاصيل ذلك اليوم، الذي بدأ بالقصف الجوي من القوات الفرنسية والإنجليزية على مدينة الجميل، بالتزامن مع الهجوم البحري بواسطة الأسطول البريطاني.

فهرولت إلى نافذة المنزل، ورأيت هبوط المظليين البريطانيين في مطار الجميل. فتوجه والدي، رحمه الله، إلى الراديو، وتحديدًا إلى إذاعة BBC، فسمعنا الإنذارات الموجهة إلى أهالي بورسعيد لإخلاء مساكنهم القريبة من البحر، واللجوء إلى المخابئ، نظرًا لبدء الهجوم البحري من جهة سواحل بورسعيد ويومها نجح أبناء بورسعيد في القضاء على الفوج الأول من المظليين البريطانيين في مطار الجميل.

وبعد انهاء الهجوم يوم 2 نوفمبر، ذهبت مع والدي للاطمئنان على جدتي في شارع الثلاثيني، وفي طريقنا إليها رأينا العشرات من شهداء بلدي من رجال المقاومة الشعبية على نواصي الشوارع، ودماؤهم تنزف، وسلاحهم البسيط لا يزال في أيديهم. ولما مررنا بميدان المحافظة، كانت المنازل محروقة، والدخان يتصاعد منها، بعدما قذفتها القوات المعتدية بالنابالم.

ورغم حصار القوات البريطانية والفرنسية للمدينة، إلا أن المقاومة الشعبية كانت لهم بالمرصاد بعملياتها الناجحة، ومنها اختطاف مورهاوس، الضابط البريطاني وابن عم الملكة، وقتل ضابط المخابرات البريطاني المسؤول عن بورسعيد.

وفي يوم 2 نوفمبر من نفس العام، صدر قرار الأمم المتحدة بوقف القتال، وأتبعه الإنذار السوفيتي يوم 3 نوفمبر لكل من فرنسا وبريطانيا، مما دفعهما للانصياع ووقف إطلاق النار.

وهكذا استمرت المقاومة حتى يوم 23 ديسمبر 1956، تاريخ انسحاب القوات الغازية من بورسعيد.

كل تلك الأحداث وغيرها طافت بذهني وأنا أدخل مدينتي الحبيبة بورسعيد من نفس طريق دخول القوات المصرية يوم 23 ديسمبر 1956… أدخلها بعد كل هذه السنين للاحتفال بعيد النصر وبسالة شعب بورسعيد العظيم، ورددت كلمات البورسعيدية: يجعلك عمار يا بورسعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock