فن وثقافة

في ذكرى رحيل نجيب محفوظ: إرث أدبي خالد وأسطورة الأدب العربي

متابعة: نفين صلاح

 

 تحل اليوم الذكرى السابعة عشرة لرحيل الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، صاحب القلم الذي لم يتوقف عن التألق طيلة أكثر من نصف قرن. رحل محفوظ عن عالمنا في مثل هذا اليوم عام 2006، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا غير مسبوق، وأعمالًا خالدة لن تُمحى من ذاكرة الأدب العربي والعالمي.

 

وُلِد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911، في حي الجمالية بالقاهرة، وكان له في نشأته وطفولته تجربة عميقة أثرت في رؤيته الأدبية، لاسيما في أجواء ثورة 1919 التي شكلت بصماتها على العديد من أعماله. بعد أن التحق بجامعة القاهرة وحصل على ليسانس الفلسفة، بدأ محفوظ رحلته الأدبية في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كتب قصصًا قصيرة ونشرها في المجلات الأدبية، إلى أن بدأ في كتابة الرواية.

 

إبداع غير محدود وتنوع فني

تميز نجيب محفوظ بقدرته على تناول شتى المواضيع الاجتماعية والسياسية من خلال لغة أدبية رصينة ومتميزة. فإبداعه لم يقتصر على رواياته التي تتناول الواقع المصري بعمق، بل انتقل ليغوص في قضايا إنسانية وفلسفية كبرى. وكانت “الثلاثية” – بين القصرين، قصر الشوق، السكرية – هي العمل الذي دفعه إلى قمة الأدب العربي، حيث استطاع من خلالها أن يقدم صورة دقيقة عن تحولات المجتمع المصري من خلال شخصياته المتنوعة.

 

ومع فوزه بجائزة نوبل في الأدب عام 1988، أصبح نجيب محفوظ أول عربي ينال هذا التكريم، مما عزز مكانته الأدبية وأكد أن أعماله لا تمثل مجرد وصف للمجتمع المصري بل هي أيضًا تحليل عميق للإنسانية بكاملها.

 

الجدل الذي لم يتوقف

ومع تنوع أعماله، لم تكن حياة محفوظ الأدبية خالية من الجدل. فروايته الشهيرة “أولاد حارتنا” كانت سببًا في إشعال أزمة دينية، حيث اعتُبرت من قبل بعض الأوساط الدينية تطاولًا على المقدسات. هذا الأمر أدى إلى منع نشر الرواية في مصر في وقتها، ولم يُسمح بنشرها كاملة إلا بعد عدة سنوات، في وقت كانت فيه الأوساط الثقافية تتأرجح بين رفض قبولها واعتبارها رمزًا للتفكير النقدي في أوضاع مصر بعد ثورة يوليو 1952.

 

ورغم محاولات الاغتيال التي تعرض لها نجيب محفوظ في عام 1995 بسبب روايته المثيرة للجدل، إلا أن ذلك لم يكن سوى حلقة من سلسلة محاولات منع حرية التعبير في مصر. حيث استمر محفوظ في الكتابة بعد الحادثة، وأصر على أن الأدب يجب أن يظل حراً، بغض النظر عن التحديات التي قد يواجهها.

 

نظامه الصارم سر غزارته الإبداعية

كان محفوظ يتمتع بنظام صارم في حياته اليومية، حيث كان يخصص ساعات محددة للكتابة، ويشرب فنجان قهوة في أوقات معينة. هذا الانضباط كان حجر الزاوية في إنتاجه الأدبي الوفير. وقد قيل عن محفوظ إنه لا يعرف التراخي في العمل؛ فقد كان يعمل بجدية من الصباح حتى المساء، يكتب ويناقش الأفكار، ويمارس حياته اليومية بنمط دقيق، وهو ما ساعده على الاستمرار في الكتابة حتى آخر أيامه.

 

رحيل أسطورة الأدب العربي

في 30 أغسطس 2006، رحل نجيب محفوظ عن عالمنا، لكن أعماله بقيت تشعّ بالنور. فحتى اليوم، تبقى رواياته مصدر إلهام للأجيال الجديدة من الكتاب والمثقفين، وصوته الأدبي لا يزال يهمس في أذن كل قارئ. محفوظ لم يكن مجرد كاتب، بل كان مؤرخًا، وفيلسوفًا، وأديبًا فذًّا رسم بصوراته الأدبية ملامح الحياة المصرية والعربية.

 

لا شك أن نجيب محفوظ سيظل خالدًا في ذاكرة الأدب العربي والعالمي، وستظل أعماله تتجاوز الزمن والمكان، باعتبارها جزءًا من التراث الأدبي الذي لا يمكن أن يغيب.

في ذكرى رحيل نجيب محفوظ: إرث أدبي خالد وأسطورة الأدب العربي

في ذكرى رحيل نجيب محفوظ: إرث أدبي خالد وأسطورة الأدب العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock