
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحابته والتابعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إن من أنواع التحديات التي تواجهنا في الوقت المعاصر هي التحديات الإقتصادية حيث أن الجانب الإقتصادي في العولمة جانب كبير، بل بعض الناس يعتبر قضية العولمة هي القضية الإقتصادية، وستنتج آثار إقتصادية من خلال عصر العولمة التي تتمثل في تضاءل فرص العمل، لأنها تعني الإنفتاح وزوال الحواجز أمام الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى، ولا شك أن خبرات أبناء المنطقة، بل أبناء دول العالم الإسلامي لا تقاس ولا تقارن مع خبرات تلك المجتمعات، فسيكونون في وضع تنافسي أقل مع الآخرين، ولن تكون هناك قيود على ما يتعلق بالتشغيل.
والعمل والتوظيف، ولا قيود على حركة التجارة والشركات، والإنفتاح الاقتصادي سيولد إتساع إحتكاك المجتمع بالجنسيات الأخرى بشكل أكبر وأوسع، وسينشأ عنه أيضا إتساع مشاركة المرأة في الحياة العامة، وإننا مجتمعات يمكن أن تمارس فيها المرأة العمل لكن في ظل الضوابط الشرعية، أما حين تنفتح بلاد المسلمين على الشركات الكبرى فستزول كثير من هذه القيود، وسينشأ من ذلك زيادة إتصال أبناء هذه المجتمعات بأبناء المجتمعات الأخرى من خلال طبيعة النشاط الإقتصادي المنفتح، وكما أن التحديات الإقتصادية ستعيد تحديد نوعية الطلب على التعليم، فالتعليم التي ستروج سوقه هو التعليم التي تطلبه تلك الشركات الكبرى التي ستوفر فرص العمل، وهذا يعني أن هذا الإنفتاح الإقتصادي وهذا التغير الإقتصادي سيتحكم في نوعية الطلب على التعليم.
وهذا سيؤدي إلى تقلص الدور التربوي للمدرسة بحيث يسيطر جانب الإعداد التقني، وإعداد الفرد ليتخصص وليعمل في هذه الميادين الإقتصادية بعيدا عن الإعداد الفكري الإجتماعي، والإعداد البنائي التربوي، وبعيدا عن حرص وسعي المدرسة إلى تأصيل ونقل ثقافة المجتمع وثقافة البلد إلى الناشئة، وهذا أيضا سيؤدي إلى تقلص الإقبال على العلم الشرعي فالبلاد العربية عموما فيها قدر من الإعتناء بالعلم شرعي سواء في مستوى التعليم العام، أو في مستوى الكليات الشرعية أو غيرها، وهذا الإعتناء له أثر في إحياء العلم الشرعي ونشره، لكن الإنفتاح الإقتصادي المقبل سيقلل من فرص التعليم الشرعي لأن الطلب على خريجي هذه التخصصات وهذه الدراسات سيقل بكثير، وهذا لا شك سيؤدي إلى قلة الإقبال على التعليم الشرعي.
وسيطرح أيضا تحديا من نوع آخر، وكذلك نوعية الثقافة السائدة حيث تؤدي متغيرات العولمة إلى إتساع الثقافة على المستوى الأفقي، وسطحية الثقافة على المستوى الرأسي، فالعصر المقبل عصر وسائل الإعلام والإنترنت، وستكون هذه هي مصادر الثقافة عند شريحة كبيرة من المجتمع، وهذه تغلب عليها العمومية والإتساع في المستوى الأفقي والسطحية في المستوى الرأسي، فهي ثقافة تغلب عليها العمومية، ثقافة تسيطر عليها التسلية والإثارة أكثر من الجانب الموضوعي العلمي، ثقافة تؤثر عليها الجوانب المادية والإقتصادية حيث تسخر وسائل ومصادر المعلومات لخدمة الشركات الكبرى وتسويق منتجاتها وأفكارها الإستهلاكية، وهي ثقافة النمط السائد فيها هي الثقافة الغربية التي تخدم مصالح أصحاب رؤوس الأموال الغربية.
وهذا أيضا سيقلص المساحة المتاحة للقراءة والإطلاع، فهو سيولد لنا جيلا عنده نوع من الإتساع في الثقافة لكنه جيل سطحي على المستوى الرأسي، جيل لا يقرأ، جيل يبهره التفكير المادي ويسيطر عليه.

