مقالات وآراء

قمة النصر والدبلوماسية

جريدة الصوت

بقلم احمد شتيه 

باحث في الشأن الاستراتيجي والأمن القومي 

في مشهد يحمل دلالات سياسية وتاريخية عميقة، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالات “عيد النصر” بالعاصمة الروسية موسكو، ليكون أحد أبرز القادة الدوليين المدعوين إلى هذا الحدث الذي يخلّد انتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية.

 الزيارة التي تتجاوز طابعها البروتوكولي، تفتح أبواباً واسعة للتأمل في أبعادها السياسية والاستراتيجية، خصوصاً في ظل التحولات العالمية المتسارعة.

عيد النصر الروسي، الذي يُحتفل به سنوياً في التاسع من مايو، ليس مجرد مناسبة تذكارية بل هو حدث يعكس القوة العسكرية والسياسية لروسيا، ويُستخدم كذلك كمنصة دبلوماسية لإعادة رسم خريطة التحالفات.

 ووجود الرئيس السيسي في هذا المحفل العالمي يحمل رسالة واضحة، مصر توازن علاقاتها شرقاً وغرباً، وتحرص على تثبيت موقعها كلاعب إقليمي له كلمته في السياسات الدولية.

وتعكس الزيارة عدداً من الأبعاد المهمة، تعزيز الشراكة الاستراتيجية: مصر وروسيا ترتبطان بعلاقات قوية، لا سيما في مجالات الطاقة النووية (مشروع الضبعة)، التسليح، والسياحة،وحضور السيسي في هذا الحدث يعكس رغبة القاهرة في تعميق هذه العلاقات وسط عالم يعيد ترتيب أولوياته الجيوسياسية.

كما تعتبر رسالة توازن دولي في ظل الاستقطاب العالمي الحاد بين الغرب وروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، جاءت مشاركة مصر لتؤكد استقلالية قرارها السياسي ورفضها للسياسات الأحادية، مع التمسك بمبدأ الحوار وتعدد الشراكات.

كما تؤكد على دعم قضايا الجنوب العالمي وحرص الرئيس السيسي خلال اللقاءات الجانبية مع القادة المشاركين على تأكيد دعم مصر للقضايا الإفريقية والعربية، والتأكيد على أهمية إقامة نظام دولي أكثر عدالة وتوازناً.

زيارة الرئيس السيسي إلى موسكو في هذا التوقيت الحرج تحمل أيضاً بُعداً أمنياً، في ظل التعاون المشترك في مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات، فضلاً عن التنسيق في ملفات إقليمية مثل ليبيا وسوريا، كما أن اللقاءات التي أجراها على هامش المناسبة مع قادة دول مثل الصين والهند تؤكد حرص مصر على تنويع دوائر حركتها الخارجية.

مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات عيد النصر بروسيا ليست مجرد خطوة رمزية، بل هي تحرّك محسوب بدقة في سياق دولي متشابك، تؤكد من خلاله مصر تمسكها بسيادتها الدبلوماسية وحرصها على بناء علاقات متوازنة تخدم مصالحها الوطنية وتعزز استقرار المنطقة، إنها زيارة تختصر معادلة مصر الجديدة الانفتاح على العالم، من دون انحياز، ولكن بكامل الوعي الاستراتيجي، وتظل مصر بقوتها الناعمة وحضورها القوى وقيادتها السياسية لاعبا اساسيا فى جميع المحافل الدولية الكبيرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock