في ظلّ تصاعد نذر المواجهة في الشرق الأوسط، تكشّفت خلال الأيام الماضية سلسلة من التطورات الدراماتيكية التي وضعت العواصم العربية الكبرى في قلب عاصفة سياسية وأمنية. من الرياض إلى القاهرة وواشنطن، ومن تل أبيب إلى غزة، تداخلت خيوط الأحداث لتصنع مشهدًا إقليميًا شديد التعقيد.
حراك سعودي متسارع لتأمين مسارات الطاقةفي خضمّ التوترات المتنامية، كانت المملكة العربية السعودية تتحرك بحسابات دقيقة لحماية شريانها الاقتصادي الأهم: تصدير الطاقة إلى أوروبا.
فقد وجّه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأجهزة المختصة في قطاع الطاقة والنقل إلى دراسة أربعة مسارات استراتيجية جديدة لنقل النفط والغاز والهيدروجين بعيدًا عن أي ارتباطات إسرائيلية، بما يضمن للسعودية استقلالية القرار ويقلّص مخاطر العبور عبر ممرات قد تخضع لابتزاز سياسي. وتشمل هذه المسارات:
1. طريق البحر الأحمر وصولًا إلى موانئ المتوسط عبر مرافئ إفريقية.
2. ممر الأردن إلى مرافئ البحر المتوسط.
3. خط يمر عبر العراق وتركيا وصولًا إلى أوروبا.
4. ممر بحري عبر سلطنة عُمان إلى الأسواق الأوروبية.
هذا التوجّه يعكس رغبة المملكة في تعزيز موقعها كمزوّد رئيسي للطاقة التقليدية والمتجددة، مع استشراف مرحلة تصدير الهيدروجين الأخضر إلى القارة العجوز.
قمة ترامب… مفاوضات على حافة الانفجار
تزامن ذلك مع كشف موقع Axios الأميركي عن قمة عاجلة ينظمها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمقرّر عقدها في 24 سبتمبر، لبحث سبل إنهاء الحرب في غزة بمشاركة قادة عرب بارزين من بينهم السعودية ومصر والإمارات وقطر والأردن وتركيا.
وبحسب تفاصيل Axios، يسعى ترامب لبلورة خطة لما بعد الحرب تتضمن آلية عربية ـ إسلامية لإدارة الوضع الميداني في القطاع، وسط حديث عن قوة استقرار محتملة تتكامل أو تحلّ محل الدور العسكري الإسرائيلي. غير أنّ تأكيدات الحضور من جميع الأطراف لم تُعلن رسميًا حتى اللحظة.
لكن المفاجأة الأبرز كانت إعلان كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عدم سفرهما إلى نيويورك للمشاركة في القمة، ما فسّره مراقبون على أنّه تخفيض متعمّد في مستوى التمثيل ورسالة دبلوماسية حذرة تعبّر عن تحفظ القاهرة والرياض على بعض مخرجات الاجتماع أو على توقيته في ظلّ احتدام الأزمة.
شائعات عن تحركات عسكرية وتصعيد إعلامي
في موازاة هذا الحراك السياسي، ضجّت منصّات التواصل الاجتماعي بفيديو أثار جدلاً واسعًا يزعم أن الجيش المصري قام بتحريك صواريخ باليستية في إشارة ردع لإسرائيل، وسط تقارير عن وساطة عاجلة يقودها كل من ترامب والسيسي وبن سلمان لمنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة.
إلا أنّ هذه المزاعم، رغم انتشارها الواسع، لم تحظَ بأي تأكيد رسمي من الحكومات المعنية، ما يجعلها في إطار التحليلات الإعلامية المثيرة أكثر من كونها حقائق مثبتة.
خيوط متشابكة ومستقبل غامض
المشهد برمّته يعكس تداخل المصالح الاستراتيجية: من مساعي السعودية لتنويع مسارات تصدير الطاقة نحو أوروبا، مرورًا بمحاولات دبلوماسية أميركية – عربية لكبح التصعيد في غزة، وصولًا إلى الشائعات عن تحركات عسكرية تعكس مستوى التوتر المتصاعد.
وبينما يسابق الجميع الزمن لتفادي انفجار إقليمي أوسع، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح هذه القمم والاتصالات السرّية في تبريد جبهات المنطقة، أم أنّ التصعيد سيبقى أسرع من أي مساعٍ للتهدئة؟
في هذا السباق بين نيران الحرب المحتملة وبراغماتية الدبلوماسية، يبدو أنّ الشرق الأوسط يقف مجددًا على حافة لحظة حاسمة قد تحدّد ملامح توازناته لعقود قادمة.