الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة وهادي الأمة صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا أما بعد إن هناك جرب ممنهجة علي الإسلام وأهله، ولقد عمل أعداؤنا على إستبعاد أصحاب القرار الديني، فظهرت الدكتاتوريات المتربعة على البلاد الإسلامية والتي أنشأت عددا من الدول التي تستعين بالأجنبي لحمايتها وإدارة مصالحها، وهو ما تبتغيه الدول المستعمرة من أجل فرض الهيمنة العسكرية والإقتصادية على هذه البلدان، وبقائها تابعة لها في جميع أمورها، فدعمت العنف الذي يخرج النزاعات.
من حالة السيطرة، إلى الحالة الخارجة عن السيطرة والخاضعة إلى المؤثرات الخارجية التي تغذيها سلبا، والسؤال هنا ما هو المطلوب منا ؟ فالمطلوب من الشعوب الإسلامية أن تعمل من أجل إقامة المجتمع الإسلامي المنشود وليكن شعارها لحكم الله نخضع وبحكم الله نسود، وعلينا أن نعمل على إتخاذ القرآن دستورا، حتى لا نظلم أنفسنا ونظلم أمتنا قال تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ” كما يطلب من الدعاة على وجه الخصوص، العمل على ترسيخ هذا المبدأ، والترويج للمفاهيم الإسلامية القائمة على أساس التسامح، والتعايش ونبذ العنف وإدخال تلك المفاهيم ضمن المناهج التربوية والتعليمية في البلدان الإسلامية، والتشجيع على قول الحق والإبتعاد عن التملق والتعاون مع المعتدي وتعميق لغة الحوار، لفض النزاعات التي تقود إلى العنف.
إلى حالة من الفوضى التي تقود إلى إنتهاكات حقوق الإنسان السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، حتى ساد الإعتقاد أن الأصل في العلاقات الدولية هو الحرب والإختصام وليس الوئام والسلام ويحزن المرء حينما يرى أن معظم هذه النزاعات والحروب تجري بين المسلمين وفى ديارهم، وقد تكون من فعلهم أو بتدخلات أجنبية وغالبا ما تأتى تحت مظلة تطبيق حقوق الإنسان، فهل آن الأوان أن نعمل على تربية المسلم على خشية الله وتقواه، ليكون قادرا على تأدية واجبه بإخلاص وأمانة من أجل إقامة عالم أفضل حيث يقول تعالي ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ” واعلموا إن حسن الخلق ولين الجانب والرحمة بالضعيف والتسامح مع الجار والقريب تفعله كل أمة في أوقات السلم مهما أوغلت في الهمجية، ولكن حسن المعاملة في الحرب، ولين الجانب مع الأعداء.
والرحمة بالنساء والأطفال والشيوخ، والتسامح مع المغلوبين، لا تستطيع كل أمة أن تفعله، ولا يستطيع كل قائد حربي أن يتصف به، وإن رؤية الدم تثير الدم، والعداء يؤجج نيران الحقد والغضب، ونشوة النصر تسكر الفاتحين فتوقعهم في أبشع أنواع التشفي والانتقام، ذلك هو تاريخ الإنسان منذ سفك قابيل دم أخيه هابيل، وهنا يضع التاريخ إكليل الخلود على قادة حضارتنا، عسكريين ومدنيين، فاتحين وحاكمين، إذ إنفردوا من بين عظماء الحضارات كلها بالإنسانية الرحيمة العادلة في أشد المعارك إحتداما، وفي أحلك الأوقات التي تحمل على الإنتقام والثأر وسفك الدماء، وأقسم لو أن التاريخ يتحدث عن هذه المعجزة الفريدة في تاريخ الأخلاق الحربية بصدق لا مجال للشك فيه لقلت إنها خرافة من الخرافات، وأسطورة لا ظل لها على الأرض، فإذا كان السلم هو الأصل في الإسلام.
وإذا شرعت الحرب في الإسلام لأسباب وأهداف محددة، فإن الإسلام كذلك لم يترك الحرب هكذا دون قيود أو قانون، وإنما وضع لها ضوابط تحد مما يصاحبها، وبهذا جعل الحروب مضبوطة بالأخلاق ولا تسيرها الشهوات، كما جعلها ضد الطغاة والمعتدين لا ضد البرآء والمسالمين، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة، أقول ما تقرءون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فإستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


