في السنوات الأخيرة اصبح المشهد السياسي مزدحم جدًا بأصوات كتيرة، كل واحد طالع يقولك “أنا فاهم المطبخ السياسي” و”أنا عندي رؤية”، وكأن السياسة مجرد كلام في قهوة أو بث مباشر على السوشيال ميديا.
الحقيقة إننا بقينا نعيش زمن الكل فيه عامل سياسي، الكل محلل، الكل ناقد، لكن قليل جدًا اللي عنده علم وخبرة حقيقية.
السياسة يا جماعة مش “موضة” ولا وسيلة للظهور الإعلامي، السياسة مسئولية تقيلة مرتبطة بمصالح وطن ومصير شعب. اللي بيتكلم في السياسة لازم يكون فاهم أبعادها: اقتصاد، أمن قومي، علاقات دولية، ثقافة مجتمع، تاريخ طويل من التجارب.
لكن اللي بنشوفه دلوقتي إن أي حد ممكن يفتكر نفسه خبير لمجرد إنه كتب منشور ناري أو طلع في بث مباشر.
المطبخ السياسي الحقيقي مش مكان ظاهر للعيان، لكنه دوائر عميقة فيها تقدير للموقف وتحليل للمخاطر ووضع بدائل. هو مساحة عمل فيها سرية، فيها عقل بيدرس كل كلمة، وكل قرار بيُحسب له ألف حساب. إنما اللي بيحصل النهاردة إن بعض الناس فاكرة إن السياسة مجرد “تحليلات على الفيسبوك” أو “تسريبات على الواتساب”، وده ظلم كبير لفكرة السياسة نفسها.
الأخطر إن كثرة الأصوات غير المتخصصة بتلخبط المواطن العادي، وبتشوش وعيه.
المواطن البسيط مش محتاج ضجيج ولا تنظير، هو محتاج حد فاهم يشرح له الواقع بلغة بسيطة وشفافة.
إنما لما كل واحد يطلع ينصّب نفسه خبير استراتيجي أو عالم بالمطبخ السياسي، النتيجة بتكون فقدان الثقة وتشويه الوعي العام.
السياسة علم وفن وممارسة، مش “شغل هواة”. ولازم نفهم إن اللي بيتعامل مع قضايا وطن مش زي اللي بيتكلم عن مباراة كورة أو وصفة أكل.
هنا بتتكلم عن أمن بلد، عن لقمة عيش مواطن، عن مستقبل أجيال.
باختصار… السياسة مش لعبة، ومش مجرد منبر للظهور، والسياسي الحقيقي هو اللي يدرس، يتعب، يتعلم، ويحط مصلحة الوطن قبل أي مصلحة شخصية.
أما الباقي فمجرد أصوات عالية محتاجة تسكت… لأن “مش كل من تكلم صار عالماً، ومش كل من ادعى صار خبيراً”