أخبار مصر

كواليس تكشف تحركات مصرية خطيرة

كتب/ أيمن بحر

تحرك جديد على رقعة شطرنج السياسة الدولية يكشف عن ملامح دور مصري يتجاوز الإطار التقليدي للدبلوماسية ويؤكد أن القاهرة باتت لاعبًا فاعلًا في معادلات النفوذ المتعددة الأقطاب وذلك من خلال زيارة مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق إلى مصر ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارة تحمل أبعادًا أعمق بكثير مما يظهر على السطح

كتب أيمن بحر
قد يظن البعض أن الزيارة لا تتجاوز كونها بروتوكولًا رسميًا معتادًا أو يتساءل عن وزن إقليم كردستان العراق في ميزان الصراعات الإقليمية لكن هذا التقدير يعكس قراءة قاصرة لطبيعة المشهد الراهن في الشرق الأوسط وللدور المحوري الذي يلعبه الإقليم في توازنات الأمن والسياسة
القراءة الأولية للزيارة تشير إلى بحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي والاستفادة من الخبرات المصرية في قطاعات حيوية يحتاجها الإقليم وهي ملفات مشروعة وطبيعية في سياق العلاقات الثنائية غير أن ما جرى في الكواليس يحمل دلالات أكثر حساسية خاصة مع حضور رئيس المخابرات العامة المصرية ضمن اللقاءات الرسمية وهو ما يعكس الطابع الاستراتيجي والأمني للمباحثات
إقليم كردستان العراق يمثل رقمًا صعبًا في معادلة الصراع الإقليمي لا سيما في ملفات مكافحة الإرهاب والتمدد التركي والأزمة السورية فالإقليم كان أحد الأعمدة الرئيسية في الحرب ضد تنظيم داعش حيث لعبت قوات البيشمركة دورًا محوريًا ضمن التحالف الدولي ونجحت في استعادة مساحات واسعة كانت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية
كما تحوّل الإقليم إلى قاعدة عمليات رئيسية للتحالف الدولي مستضيفًا قواعد عسكرية ومراكز تنسيق كان لها دور حاسم في توجيه الضربات الجوية وتجفيف منابع الإرهاب داخل العراق وهو ما منح كردستان ثقلاً أمنيًا لا يمكن تجاهله في أي حسابات تتعلق باستقرار المنطقة
وتبرز أهمية الإقليم بشكل أكبر عند النظر إلى المشهد السوري الحالي حيث تعود إلى الواجهة مجموعات مسلحة ذات خلفيات إسلاموية متطرفة يعرفها العراق وكردستان جيدًا بعدما سبق هزيمتها على أيدي القوات العراقية وقوات البيشمركة الأمر الذي يجعل التنسيق الأمني مع الإقليم مسألة حيوية بالنسبة لمصر
أما على صعيد العلاقات مع تركيا فإن كردستان العراق تمثل نقطة توتر تاريخية لأنقرة بسبب الصراع الممتد مع حزب العمال الكردستاني والتوغلات العسكرية التركية المستمرة في شمال العراق حيث تتعامل تركيا مع الإقليم باعتباره امتدادًا مباشرًا لأمنها القومي وهو ما يخلق مساحة اشتباك سياسي وأمني مفتوحة
في هذا السياق تكتسب القاهرة أهمية خاصة في حسابات الإقليم خصوصًا مع تشابك المصالح المصرية التركية في ملفات حساسة مثل ليبيا وشرق المتوسط فكما تتحرك أنقرة في نقاط تمس الأمن القومي المصري تمتلك القاهرة بدورها أوراق ضغط في مناطق تمثل حساسية استراتيجية لتركيا
ومع الحديث عن مساعٍ تركية لإطلاق عملية سلام محتملة مع حزب العمال الكردستاني مقابل استمرار العمليات العسكرية وغياب الضمانات الحقيقية تتعقد الصورة أكثر وهو ما يفتح الباب أمام أدوار إقليمية ودولية للوساطة أو ممارسة الضغط السياسي
من هنا يمكن قراءة زيارة مسرور بارزاني إلى القاهرة باعتبارها خطوة تتجاوز التعاون الثنائي نحو بحث أدوار سياسية وأمنية أوسع قد تشمل وساطة مصرية محتملة أو على الأقل تنسيقًا استراتيجيًا يمنح القاهرة مساحة تأثير إضافية في واحدة من أكثر نقاط الاشتباك حساسية بالنسبة لتركيا
ورغم أن السياسة المصرية تقليديًا ما تتسم بالتحفظ في توظيف الصراعات الخارجية لصالحها المباشر إلا أن المتغيرات الإقليمية تفرض إعادة تقييم أدوات النفوذ خاصة في ظل واقع تؤكد فيه التجربة أن السياسة الدولية لا تعرف عدوًا دائمًا ولا حليفًا دائمًا بل تحكمها المصالح فقط
وفي هذا الإطار تبدو القاهرة أمام فرصة حقيقية لإعادة توظيف ثقلها الإقليمي بذكاء وهدوء عبر بوابة كردستان العراق بما يعزز أمنها القومي ويعيد التوازن إلى معادلات النفوذ في الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock