
تنتهي الانتخابات، وتُغلق الصناديق، وتُعلن النتائج، لكن الحقيقة الأهم أن الوطن لا تُغلق صفحته عند هذا الحد، بل تبدأ صفحة جديدة عنوانها: المسؤولية المشتركة. فالمشهد الانتخابي، مهما احتدّ، يظل مرحلة عابرة، أما الدولة فباقية، والناس باقية، والعمل العام لا يعرف التوقف.
لمن وُفِّق وفاز
الفوز ليس نهاية السباق، بل بدايته الحقيقية. هو تكليف قبل أن يكون تشريفًا، وأمانة أثقل من اللافتات والهتافات. الفائز اليوم مدعوّ لأن ينزل من منصة الاحتفال إلى أرض الواقع، حيث تنتظره هموم الناس، لا أصواتهم فقط.
عليه أن يتذكر أن المقعد الذي جلس عليه صوّت له فيه من اختاره، ومن لم يختره أيضًا، وأن العدل لا يتجزأ، والخدمة لا تُقاس بعدد المؤيدين. النجاح الحقيقي ليس في عدد الأصوات، بل في صدق الأثر، وفي أن يترك بصمة تُشبه الوطن لا المصالح.
ولمن لم يُوفَّق
الخسارة الانتخابية لا تعني السقوط، بل قد تكون وقفة مراجعة، أو بداية نضج جديد. فالعمل العام أوسع من مقعد، والوطن لا يُختصر في دورة انتخابية.
من لم يحالفه التوفيق اليوم، يمكنه أن يكون غدًا صاحب فكرة، أو مبادرة، أو صوتٍ صادقٍ يراقب ويقوّم ويشارك من موقعه. فالتاريخ لا يتذكر من فاز فقط، بل يتذكر من خدم بإخلاص حتى دون منصب.
أما الوطن
فهو الرابح الأكبر حين نختلف باحترام، ونتنافس بشرف، ونتفق على أن الخلاف لا يفسد الانتماء. الوطن يحتاج إلى الفائز بعزيمته، وإلى غير الفائز بخبرته، ويحتاج قبل ذلك إلى قلوبٍ لا تحمل ضغينة، وعقولٍ تدرك أن البناء لا يتم إلا بالجميع.
بعد الانتخابات، تسقط اللافتات، لكن تبقى القيم.
تخفت الشعارات، لكن يعلو العمل.
وينتهي الصراع، ليبدأ الواجب.
فليكن ما بعد الانتخابات عهدًا جديدًا:
عهد خدمة لا خصومة، وبناء لا تشفٍّ، ووطنٍ يتسع للجميع… فمصر لا تُدار بالفرز، بل
تُبنى بالتكامل.



