
الحمد لله الرحيم الودود، سبحانه من خالق عظيم وبخلقه رؤوف حليم، أشهد أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد فيا عباد الله، اتقوا الله فإن ساعة عظيمة تنتظركم، يجزى فيها الإنسان عن الصغيرة والكبيرة، موقفها عظيم وأمرها جلل فتزودا لذلك وإن خير الزاد التقوى، ثم أما بعد من مزايا الخطبة قبل الزواج أنها تمكّن الخاطب من النظر إلى من يرغب في الإرتباط بها، وتمكنها هي أيضا من النظر إليه حتى يطمئن قلبها، ويشعر بالألفة والمحبة تجاه من يخطبها بالقدر الذي يشعر به هو أيضا، فلا يكفي الإعتداد بمشاعر خاطب على حساب مخطوبة، بل يعتد برغبتيهما معا، فقد ورد عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “أنظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”
أي يؤلف بين قلوبكما، ويجمع شملكما على المودة والرحمة، والأحاديث كثيرة في هذا الشأن، كلها تدعو إلى النظر إلى كل ما يدعو إلى الارتباط، وإشباع نهم الرغبة بعد الزواج، لأن من أهم أهداف النكاح إعفاف الزوجين، ولا يتحقق ذلك بصورة مثلى غالبا إلا عن قناعة وطيب نفس ومحبة أو توافق وقبول من الطرفين، وهذه البداية هي أنجح السبل للوقاية من نيران الكراهية التي قد تحتدم بعد الزواج، والوقاية خير من العلاج، وكما يتمثل العلاج الإسلامي لداء كراهية المرأة زوجها في توافر أسباب النجاح للعلاقة بعد الزواج، وما سمي القلب قلبا إلا لتقلبه، وما سميت النفس نفسا إلا لنسيانها، فالقلب يتقلب بين الحب والبغض، والمودة والنفور، والنفس يعتريها الرضا والسخط، وهي عرضة للسلوان والنسيان بمرور الزمان، لأخطر ما قد يحيق أو ينزل بها من أحداث جسام غالبا.

تلكم هي الطبيعة البشرية، ومن هنا جاء العلاج والدواء الإسلامي لإجتثاث جذور الكراهية، وتحصين علاقة الزوجية من براثن داء الكراهية الذي قد يستشرى لأسباب واهية ما لم يتم القضاء الفوري على مسبباته وبواعثه، أو تدارك آثاره ومثالبه، بالحرص على إزالتها بمنتهى القوة والحسم من خلال المنهج الإسلامي المتمثل في الدعوة إلى الصبر أو التصبر، وينبغي للزوجة أن تتعلم كيف تحب زوجها، فإن العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم والحب يتحقق ببذل المزيد من الحب، لكي يحدث التجاوب بين الطرفين، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر” فالحديث يحض على عدم التباغض بين الزوج وزوجته، لأن لكل واحد منهما من الصفات أو الخصال ما يشتمل على الحميد والذميم، والكمال لله وحده جل في علاه.
فلتنظر المرأة للصفات الحميدة في زوجها، ولتصبر صبرا جميلا حتى يتحقق لها الخير بفضل التمسك بتلابيب هذا الصبر الجميل، وأيضا علاج نشوز الزوجة بالسبل الشرعية بلا إفراط أو تفريط، وذلك لحسم ووأد مادة الكراهية في مهدها، فلا تتمكن من قلب الزوجة، ولا تجد لها موطنا في نفسها بعد تناولها للعلاج الإسلامي وتجاوبها معه بمنتهى السماحة والرضا، وهذا الحل حاسم مصداقا لقول الله تعالى “إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما” ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.



