عربي وعالمي

تصاعد الغضب الإثيوبى يكشف تنامي النفوذ المصرى فى القرن الأفريقى

أيمن بحر

تشهد العلاقات بين مصر وإثيوبيا حالة توتر متزايدة بالتزامن مع تمدد الحضور المصري فى محيط القرن الأفريقي وتوسيع دوائر التعاون مع دول إريتريا والصومال وجيبوتي وهو ما أكدته تقارير متعددة تشير إلى تطور نوعي في مستوى الشراكة بين القاهرة وعواصم دول الطوق بما انعكس على قدرة مصر على بسط نفوذ فعلي في مناطق تمثل خنقا استراتيجيا لتحركات إثيوبيا الإقليمية الأمر الذي أحدث خللا في حسابات أديس أبابا ودفعها إلى تصعيد خطابها السياسي ضد القاهرة

ويتنامى الوجود المصري في أفريقيا بوتيرة سريعة على المستويين العسكري والاقتصادى إلى جانب تعاون واسع فى مجالات النقل البحري واللوجستيات وهى تحركات تمثل جزءا من رؤية مصرية أوسع لدور القاهرة فى البحر الأحمر وعمق القارة الأفريقية عبر تعزيز السيطرة على طرق التجارة والنقل وتحجيم أي محاولات إثيوبية للتوسع أو النفاذ نحو البحر الأحمر

هذا التمدد المصرى يعكس أحد أهم أسباب الانفعال الإثيوبي الأخير حيث لجأ رئيس الوزراء الإثيوبي إلى خطاب حاد متهما مصر بالرغبة في السيطرة على مياه النيل ومعتبرا أن القاهرة تتعنت في مسار التفاوض حول سد النهضة كما تحدث عن نفوذ مصري داخل القرن الأفريقي يراه سببا في زعزعة الاستقرار بالمنطقة وهو ما يعكس حجم الضيق الإثيوبي من الحضور المصري القوي في محيطها المباشر

ورغم محاولات إثيوبيا تحويل أزمة السد إلى صراع أفريقي أوسع ضد مصر إلا أن القاهرة نجحت في إعادة تعريف الأزمة باعتبارها قضية موارد مائية مشتركة وليست صراعا سياسيا موسعا كما تمكنت مصر من عقد شراكات فاعلة مع دول الطوق الإثيوبي مما أضعف محاولات أديس أبابا لحشد دعم أفريقي ضد القاهرة

وفيما يتعلق بتطورات ملف سد النهضة أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي تمسك مصر بجميع الخيارات لحماية أمنها المائي مشيرا إلى أن القاهرة شاركت منذ عام 2011 في كل المسارات التفاوضية سواء الثنائية مع السودان وإثيوبيا حتى عام 2019 أو في المسار الذي رعته الولايات المتحدة والبنك الدولي والذي انتهى بتغيب الجانب الإثيوبي عن التوقيع كما شاركت مصر في المباحثات التي رعاها الاتحاد الأفريقي وآخرها مسار ما بعد قمة دول جوار السودان عام 2023 والذي توقف نتيجة التعنت الإثيوبي

ومع فشل الرهان على جدوى سد النهضة داخليا وتصاعد الغضب الشعبي الإثيوبي بسبب عدم تحقيق السد للعائد الكهربائي الموعود اتجهت إثيوبيا لتصعيد خطاباتها ضد جيرانها من الصومال إلى جيبوتي ومؤخرا ضد إريتريا المتعاونة مع مصر في ملفات إقليمية وهو ما يكشف عمق أزمة أديس أبابا التي تستخدم الصراع مع الجوار كأداة للتغطية على أزماتها الداخلية

وتسعى مصر حاليا إلى إلزام إثيوبيا باتفاق ينظم قواعد تشغيل وإدارة سد النهضة بما يحقق الاستخدام الرشيد للنيل الأزرق وفق القواعد الدولية بينما تتمسك إثيوبيا بخطوات أحادية تضر بمصالح دول المصب وتعتمد على دعم أطراف خارجية تدفعها لمواصلة نهج احتكار مياه النيل

وكانت مصر قد أعلنت انتهاء مسار التفاوض بعد عشر سنوات من المحاولات غير المثمرة مؤكدة حقها في حماية مصالحها الوجودية وفقا للقانون الدولي باعتبار نهر النيل مصدر الحياة الوحيد في البلاد ونهرًا مشتركا لا يجوز لدولة واحدة التحكم فيه

وعلى الرغم من أن لغة التصعيد الإثيوبي توحي للبعض بأنها تعبير عن قوة إلا أنها في الواقع تعكس حالة ضعف واضح وتراجع في قدرة أديس أبابا على تحقيق أهدافها خاصة في ظل توسع النفوذ المصري في القارة فالقاعدة المعروفة في الصراعات تشير إلى أن زيادة التوتر لدى الخصم ترفع مستوى الخطاب العدائي لديه وتدفعه للتصعيد الكلامي بدلا من الفعل الحقيقي

وفي النهاية يبقى السؤال ما سر الهجوم الإثيوبي الحاد ومن المستفيد من دفع أديس أبابا إلى افتعال المواجهة مع مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock