فن وثقافة
منذر رياحنه يتحدث عن تكريمه في الجزائر ويكشف عن سعادته بلقاء جمهور وهران
الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في مشهد فني يحمل كل معاني التقدير والاحترام، يحلّ النجم الأردني منذر رياحنه ضيفًا مكرّمًا على الدورة الثالثة عشرة من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، في حدثٍ يسلّط الضوء على واحدة من أهم المسيرات الفنية في الدراما العربية الحديثة، تلك المسيرة التي صنعها بموهبته الصادقة وحضوره القوي وأدواره التي لامست قلوب الجمهور العربي في كل مكان.
رياحنه الذي عُرف بقدرته الفريدة على تجسيد الشخصيات المركّبة والعميقة، استطاع أن يحفر اسمه بحروف من ذهب في سجل الدراما الأردنية والعربية، ليصبح اليوم من أبرز الوجوه التي تمثل الفن العربي الأصيل بكل معانيه.
ويأتي هذا التكريم الكبير تقديراً لعطائه الفني الغزير وتنوعه اللافت بين الدراما التاريخية والاجتماعية والبدوية، فرياحنه لم يكتفِ بتقديم أدوار البطولة فحسب، بل كان دائم البحث عن الأدوار التي تحمل رسالة وتعبّر عن الإنسان العربي في كل حالاته، فكان الفنان الذي لا يتوقف عند الشكل أو الاسم، بل يغوص في أعماق الشخصية ليُخرج منها حياة كاملة. ولهذا، جاء تكريمه في وهران تتويجًا لمسيرة طويلة من الإبداع والتحدي والاجتهاد، ليقف اليوم على أرض الجزائر مكرّمًا بين نجوم الوطن العربي.
الحدث يُعد أيضًا أول حضور رسمي للنجم الأردني في الجزائر، ولقاءه الأول مع جمهوره الجزائري الذي عرفه وأحبه من خلال أعماله القوية وشخصياته المؤثرة التي تركت أثرًا لا يُنسى في وجدان المشاهد. جمهور الجزائر الذي طالما قدّر الفن الحقيقي وجد في رياحنه ممثلًا عربيًا صادقًا لا يتكلف، فاستقبله بحفاوةٍ تعكس عمق المحبة بين الشعوب العربية ووحدة الإحساس الفني الذي لا تحده المسافات.
وفي أول تصريح له من قلب الحدث، عبّر النجم منذر رياحنه عن سعادته العميقة بهذا التكريم قائلًا: “الجزائر بلد الأحرار وبلد المليون ونصف المليون شهيد، وهذا التكريم يحمل لي طابعًا خاصًا لأنه من بلدٍ لطالما احترم الفن والفنانين، واعتبر الثقافة رسالة سامية تعبر الحدود.” بهذه الكلمات البسيطة والصادقة، عبّر الفنان الأردني عن مشاعره تجاه الشعب الجزائري، وعن امتنانه لتلك اللفتة التي وصفها بأنها من أجمل المحطات في مسيرته الفنية، مؤكدًا أن اللقاء مع الجمهور الجزائري كان حلمًا طال انتظاره، وأنه يقدّر حب هذا الشعب الذي دعمه منذ بداياته وتابع أعماله باهتمام.
ويُتوقّع أن يلقى حضور رياحنه في المهرجان تفاعلًا واسعًا من الجمهور ووسائل الإعلام، نظرًا لما يمثله من حالة فنية استثنائية تجمع بين الموهبة والصدق والتنوع. فالفنان الذي أبدع في الأدوار التاريخية والبدوية والاجتماعية، لم يكن يومًا أسيرًا لنمطٍ معين، بل آمن أن الفن رسالة يجب أن تُقدَّم بحبٍ وصدقٍ مهما اختلفت أشكالها. ومنذ بداياته الأولى، أثبت أنه فنان من طرازٍ خاص، يعرف كيف يترك أثرًا في كل دور يؤديه، وكيف يضيف لكل عمل يشارك فيه بصمته الخاصة التي لا تشبه أحدًا سواه.
مهرجان وهران الذي يُعتبر من أبرز المهرجانات السينمائية العربية، شهد هذا العام حضورًا ضخمًا من نجوم الفن والإعلام في الوطن العربي، وجاء تكريم رياحنه ضمن نخبة من الأسماء اللامعة التي أثرت الساحة الفنية بأعمال خالدة، من بينهم نادية الجندي، غسان مسعود، سيد أحمد أقومي، ياسر جلال، وباسل خياط، في مشهدٍ عربي يجمع رموز الفن من مختلف الدول في تظاهرةٍ فنية راقية تعكس وحدة الثقافة العربية وتقديرها للموهبة والإبداع.
ولم يكن هذا التكريم مجرد حدث فني عابر، بل لحظة رمزية تحمل في طيّاتها رسالة حب واحترام متبادل بين بلدين يجمعهما تاريخ طويل من النضال والإبداع، الأردن والجزائر. فتكريم رياحنه لم يكن فقط تتويجًا لمسيرة نجم عربي لامع، بل كان أيضًا احتفاءً بالفن الأردني الذي أثبت حضوره القوي في الساحة العربية، وبفنانٍ حمل اسم بلده إلى المحافل العربية بكل فخر وتميز.
ويؤكد هذا الحدث أن الفن العربي ما زال بخير، وأن الجمهور العربي في كل مكان يعرف كيف يقدّر الموهبة الحقيقية حين يراها. ومنذر رياحنه الذي بدأ رحلته من شغف بسيط بالفن، يقف اليوم مكرّمًا في أرض الأحرار، ليُثبت أن الصدق في الأداء والتواضع في النجاح هما الطريق الحقيقي لخلود الفنان في ذاكرة الناس.
وفي ختام هذا المشهد المضيء، تبقى الجزائر عنوانًا للتكريم الأصيل، وتبقى مسيرة منذر رياحنه مثالًا للفنان العربي الذي لم يساوم على فنه، ولم يتنازل عن قناعته بأن الفن الحقيقي لا يُقاس بالجوائز فقط، بل بما يتركه في قلوب الناس. وبين تصفيق الحضور ووميض الكاميرات، وقف رياحنه على مسرح وهران مبتسمًا بكل فخر، وكأن لسان حاله يقول: “هذا التكريم مش بس ليّ، ده لكل فنان عربي بيحب فنه بصدق، ولكل جمهور بيصدق إحساس الفنان قبل كلماته.”
