من الخوف إلى الطمأنينة: كيف شكّلت البيئة والأسطورة مفهوم الثورة في حضارتين؟
جريدة الصوت

متابعة: نيفين صلاح
بين دجلة والفرات من جهة، وضفاف النيل من جهة أخرى، تشكّلت رؤيتان متناقضتان للحياة والسلطة والثورة. ففي حضارة بلاد الرافدين، عاش الإنسان في أرض مفتوحة للغزوات، لفيضانات مفاجئة، ولغضب الآلهة غير المتوقع. كان القلق سمةً سائدة، وشعور اللاحتمية طاغيًا، انعكس في أساطير مثل “أتراحاسيس” و”جلجامش”، حيث خلق الإنسان لخدمة الآلهة، لا ليعيش بحرية. هناك، كانت الثورة فعلًا اضطراريًا، لا تمردًا ولا حلمًا بالتحرر، بل محاولة أخيرة لدرء فوضى أعظم.
في المقابل، عاش المصري القديم في وادٍ مستقر تحميه الطبيعة ويغذّيه نهر منتظم. من هنا، وُلدت “ماعت” — فكرة النظام والعدالة الكونية — التي ربطت بين بقاء الدولة ورضا الآلهة. الفرعون لم يكن حاكمًا فحسب، بل الضامن لتوازن الكون. أي خروج عليه كان يُعد خرقًا لنظام كوني، لا مجرد تمرد سياسي. لذلك، نادرًا ما عرف المصري الثورة، إلا حين انهار النظام ذاته، كما في عصر الانتقال الأول.
الفارق الجوهري؟ الرافدي ثار خوفًا من الفناء. المصري خشي الثورة خوفًا من الفوضى.
باختصار……
بيئة مضطربة في الرافدين زرعت القلق، فكانت الثورة اضطرارًا.
بيئة مستقرة في النيل زرعت الطمأنينة، فصارت الثورة خطرًا كونيًا.
الأسطورة والدين شكّلا الوعي الجمعي ومفاهيم الطاعة والخروج على السلطة.



