في عالمٍ تتسارع فيه الوتيرة وتضيع معه البوصلة النفسية، يصبح السؤال ملحًّا: كيف ننجو من بيئات تُربّي الاضطراب وتُضعف الوعي؟ هذا الموضوع رحلة تأملية هادئة بين فهم الجذور البيئية لاضطرابات الشخصية، وكيف يمكن للوعي أن يتحوّل من ردّ فعل إلى طريق للتعافي والنضج النفسي.
—
نحن لا نولد حاملين اضطرابات الشخصية، لكننا قد نُنشأ في بيئة خصبة تُنبتها بصمت.
في زمنٍ تُقاس فيه القيمة بعدد الإعجابات، تحوّل التلاعب إلى مهارة، والأنانية إلى طموح، والتجمّل الزائف إلى وسيلة للقبول.
في تربة المقارنة والخوف من الرفض، تُزرع بذور الاضطراب وتنمو حتى تتجذّر في الوعي الجمعي.
كيف تُغذّي البيئة الاضطراب؟
حين يغيب الوعي الجمعي، تتحول الأخطاء إلى طباع راسخة.
الأسرة التي تخلط بين الحب والسيطرة تُخرج أبناءً يتأرجحون بين التبعية والتمرّد.
والمجتمع الذي يُكافئ الوهم يزرع النرجسية دون قصد.
أما منصات التواصل، فقد غدت مختبرًا لتطبيع السلوك المضطرب:
النرجسي يُصفّق له، والحدّي يُعذر، والمتجنّب يُرثى له.
لماذا نرى الاضطراب أكثر اليوم؟
لأن العالم الافتراضي ضاعف حاجتنا لنظرة الآخرين،
ولأن الأمان النفسي تراجع تحت وطأة الحياة السريعة وضغط الأداء المستمر،
فازداد التعلّق المرضي والعطش للتقدير.
ومع غياب الوعي النفسي، أصبح الكثيرون يرفعون شعار: «هذا أنا» وكأن الاضطراب هُوية لا عرض قابل للعلاج.
كسر الدوّامة يبدأ بالفهم
ابدأ بالفهم لا بالإدانة.
فالشخص المضطرب لا يختار معاناته، لكنه يكررها بلا وعي.
ضع حدودًا واقية؛ فالتعاطف لا يعني السماح بتجاوز الخطوط.
ولا تحاول الإصلاح بالقوة، فالعلاج رحلة وعي لا معركة إقناع.