أخبار مصر

موائد الرحمن.. تقليد مصري ممتد من العصور الإسلامية إلى اليوم

جريدة الصوت

كتب أشرف ماهر ضلع 

تعد موائد الرحمن أحد أهم المظاهر الرمضانية التي تجسد قيم التكافل الاجتماعي والتراحم بين أفراد المجتمع. فهي ليست مجرد موائد طعام، بل تعبير عن روح العطاء والبذل، حيث يتسابق الأغنياء ورجال الخير في إقامة هذه الموائد لإطعام الفقراء وعابري السبيل خلال شهر رمضان.

أصول موائد الرحمن.. متى بدأت؟

يعتقد البعض أن فكرة موائد الرحمن تعود إلى عهد النبي محمد ﷺ، حيث كان يُكرم الوفود القادمة إليه، لكن الشكل الحديث لهذه الموائد بدأ في مصر خلال العصر الفاطمي. فبحسب ما ورد في كتاب دليل الأوائل للدكتور إبراهيم مرزوق، كان الخليفة الفاطمي العزيز بالله هو أول من أقام مائدة إفطار في رمضان خصيصًا للفقراء، وبدأت الفكرة من جامع عمرو بن العاص، حيث كان يتم إعداد الطعام وتوزيعه يوميًا للصائمين.

ولم تقتصر هذه الموائد على تقديم الطعام للفقراء فقط، بل كانت أيضًا وسيلة لإظهار كرم الحكام والولاة، فقد كانت هناك ولائم ضخمة تُقام بحضور القضاة والوزراء في القصر الفاطمي، عُرفت باسم “الأسمطة الرمضانية”، والتي كانت تتضمن أصنافًا متعددة من الأطعمة تُقدم على موائد ضخمة في قاعة الذهب بالقصر الشرقي الكبير.

موائد الرحمن في العصور الإسلامية

امتدت موائد الرحمن عبر العصور الإسلامية المختلفة، وشهدت تطورًا كبيرًا. فهناك روايات تشير إلى أن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان من أوائل من أقام موائد الرحمن في حدائق قصره ببغداد، حيث كان يدعو الفقراء والمحتاجين للإفطار يوميًا خلال رمضان. كما أن الحكام والأمراء في الدول الإسلامية المختلفة كانوا يحرصون على تقديم الطعام للفقراء في رمضان، وهو ما استمر حتى العصر العثماني، حيث أصبحت موائد الإفطار جزءًا من التقاليد الرسمية للدولة.

أول مائدة إفطار قبطية في مصر

لم تقتصر موائد الرحمن على المسلمين فقط، بل امتدت لتشمل الجميع، حيث كانت وسيلة لنشر قيم المحبة والتآخي بين أبناء الوطن الواحد. ويُذكر أن أول مائدة إفطار قبطية في مصر أقيمت في حي شبرا عام 1969، عندما بادر القمص صليب متى ساويرس، راعي كنيسة مارجرجس، بتنظيم مائدة إفطار للمسلمين والمسيحيين معًا، لتعزيز روح الوحدة الوطنية، ومنذ ذلك الحين أصبحت موائد الإفطار مشهدًا مألوفًا يجمع المصريين بمختلف طوائفهم.

موائد الرحمن في العصر الحديث

تطور مفهوم موائد الرحمن بمرور الزمن، فأصبحت تُقام في جميع أنحاء مصر، من الأحياء الشعبية إلى المناطق الراقية، حيث يساهم رجال الأعمال والجمعيات الخيرية وحتى الأفراد العاديون في تنظيمها. كما أنها لم تعد تقتصر على تقديم الطعام فقط، بل تطورت لتشمل خدمات أخرى مثل توزيع الملابس والمساعدات المالية للفقراء.

ومع انتشار التكنولوجيا، أصبحت بعض المبادرات الخيرية تعتمد على توصيل وجبات الإفطار إلى منازل المحتاجين، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية أو الصحية التي قد تحول دون تجمع الناس حول موائد الإفطار الجماعية.

رمضان.. شهر العطاء والتكافل

تبقى موائد الرحمن واحدة من أجمل العادات الرمضانية التي تعكس جوهر الشهر الكريم، حيث تتجلى فيها معاني الرحمة والتكافل الاجتماعي. وعلى الرغم من تغير الظروف والأزمان، فإن هذه الموائد ستظل رمزًا للخير والتراحم، وستبقى مصر دائمًا سباقة في نشر ثقافة العطاء التي عرفتها منذ قرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock