دين ومجتمع

نبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق

محمد الدكرورى

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وحجة الله على الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد لقد حرم الإسلام الغلول، وهو الإختلاس من المال العام، فقال تعالي فى سورة آل عمران ” وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ” ويقول تعالى “وما كان لنبي أن يغل” فقال ابن عباس رضى الله عنهما إن هذه الآية ” وما كان لنبي أن يغل”

نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله أخذها فأكثروا في ذلك، فأنزل الله “وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ” وكذا رواه أبو داود والترمذي، وهذا تنزيه له صلوات الله وسلامه عليه من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك ثم قال تعالى “ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون” وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد وقد وردت السنة بالنهي عن ذلك أيضا في أحاديث متعددة، وحب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة، ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نقيم شرع الله في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة، ولقد توفيت السيدة خديجة بنت خويلد.

التي كانت بمثابة السند لرسول الله صلي الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة بثلاث سنوات، وفي ذات العام مرض عمه أبو طالب الذي كان يحمي رسول الله صلي الله عليه وسلم من أذى قريش مرضا شديدا، واستغلت قريش موقف مرضه وبدأت بالتعرض لرسول الله صلي الله عليه وسلم بالأذى الشديد، وذهبت مجموعة من أشراف قريش إلى أبي طالب حين اشتدّ مرضه وطلبت منه أن يكف الرسول صلي الله عليه وسلم عن دعوته، فحدثه عمه أبو طالب بما يريدون، ولم يلتفت النبي صلي الله عليه وسلم لذلك، وقبل وفاة عمه أبي طالب حاول معه الرسول صلي الله عليه وسلم بنطق الشهادتين إلا أنه لم يستجب، وتوفي على حاله، وبوفاته ووفاة السيدة خديجة رضي الله عنها حزن الرسول صلي الله عليه وسلم حزنا شديدا، وإذ كانا بمثابة السند والدعم والحماية له.

وسمّي ذلك العام بعام الحزن، فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه مسلم، وعن ابن شهاب قال قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل على السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت له يا أصيل كيف عهدت مكة؟ قال عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت أقم حتى يأتيك النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يلبث أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له “يا أصيل كيف عهدت مكة؟ قال والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق إذخرها، وأسلت ثمامها، فقال “حسبك يا أصيل لا تحزنا” وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ويها يا أصيل، دع القلوب تقر قرارها”

أرأيت كيف عبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن حبه وهيامه وحنينه إلى وطنه بقوله “يا أصيل دع القلوب تقر” فإن ذكر بلده الحبيب الذي ولد فيه، ونشأ تحت سمائه وفوق أرضه، وبلغ أشده وأكرم بالنبوة في رحابه أمامه يثير لواعج شوقه، ويذكي جمرة حنينه إلى موطنه الحبيب الأثير العزيز، وأرأيت كيف أن الصحابة المهاجرين رضوان الله عليهم أجمعين، كانوا يحاولون تخفيف حدة شوقهم وإطفاء لظى حنينهم إلى وطنهم بالأبيات الرقيقة المرققة التي تذكرهم بمعالم وطنهم من الوديان والموارد والجبال والوهاد والنجاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock