مقالات وآراء

كيف أصبح الإنفصال عن الإنترنت إمتيازاً باهظ الثمن؟

بقلم ـ محمد رفاعي

في زمن يتسم بالإتصال المُفرط والوجود الدائم على الشبكات الرقمية ظهر إتجاه متناقض في المجتمعات الغربية الغنية ينتقل ببطء إلى بقية العالم:
الإنسحاب المُتعمَّد من عالم الإنترنت والإبتعاد عن الشاشات ليصبح بذلك نوعاً جديداً من الرفاهية والإمتياز الإجتماعي لم يعد الثراء يقتصر على امتلاك أحدث التقنيات بل أصبح يكمن في القدرة على تجاهلها.
​”اقتصاد الغياب” والإمتياز الطبقي
​لطالما كان الوصول إلى الإنترنت السريع والهواتف الذكية رمزاً للتقدم والتكافؤ الإجتماعي لكننا اليوم نرى تحولاً مثيراً للاهتمام
​رفاهية الوقت غير المُقسَّم الأثرياء والقادة التنفيذيون أصبحوا يتباهون بـ “صيامهم الرقمي” أو بامتلاكهم هواتف بسيطة (Dumb Phones) لا تسمح بالتصفح المفرط هذا يعكس أن لديهم القدرة على تفويض المهام وأن أعمالهم لا تعتمد على الرد الفوري على كل رسالة. الوقت غير المقسم أصبح سلعة فاخرة.
​الخصوصية كشكل من أشكال الثروة: بينما يشارك عامة الناس تفاصيل حياتهم مجاناً على منصات التواصل أصبح الأفراد الأكثر ثراءً يحافظون على “فجوة معلوماتية” حول حياتهم، معتبرين الخصوصية أصولاً ثمينة يجب حمايتها من آليات الاستهلاك الرقمي.
​التعليم “البطيء” لأطفال النخبة: العديد من المدارس الخاصة لأطفال الأثرياء في وادي السيليكون، المفارقة، تتبنى سياسات تقييدية صارمة تجاه الشاشات والتقنيات الرقمية في سنوات التعليم المبكرة مع التركيز على التعلم الحسي والإجتماعي هم يدركون خطورة الإدمان الرقمي على التطور المعرفي لأبنائهم وهي المعرفة التي لا تتوفر دائماً للطبقات الأقل حظاً.
​لماذا يعتبر “الانفصال” مكلفاً؟
​القدرة على الانفصال عن الشبكة تتطلب موارد مادية ومعنوية ليست متاحة للجميع
​المهنة والوظيفة معظم الوظائف الحديثة تتطلب وجوداً رقمياً شبه دائم. لا يستطيع عامل في خدمة العملاء أو مندوب مبيعات أن يقرر فجأة “الصيام الرقمي” دون تعريض وظيفته للخطر.
​التكلفة البديلة: الابتعاد عن التكنولوجيا يعني الاستثمار في بدائل مكلفة مثل الكتب المطبوعة بدلاً من الكتب الرقمية أو قضاء عطلات في مناطق “خارج التغطية” والتي غالباً ما تكون منتجعات فاخرة
​الشبكة الاجتماعية يعتمد الكثير من التواصل الاجتماعي والفرص على المنصات الرقمية الانفصال قد يعني أيضاً الابتعاد عن فرص النمو والتواصل
​نحو توازن مُستدام
​في حين أن “الغياب المُتعمَّد” قد بدأ كامتياز للطبقة العليا إلا أنه يحمل درساً مهماً للجميع يجب أن نتحرر من فكرة أن “التوفر الدائم” هو مقياس للإنتاجية أو النجاح.
​المستقبل لا يجب أن يكون إما “إدماناً رقمياً” أو “انعزالاً مكلفاً” يجب أن يكون هدفنا هو “السيطرة الواعية” على التكنولوجيا استخدامها كأداة لتحسين حياتنا بدلاً من أن تصبح هي من يحدد قيمة وقتنا وتشتت تركيزنا. إن إعادة تقدير قيمة الصمت والتأمل والوقت غير المُنتِج هو أول خطوة نحو تحقيق رفاهية رقمية متاحة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock